الزن هو طبعا الإلحاح المستمر الذي لا يكل ولا يمل. ولا تقتصر ممارسته على عالم سلوكيات البشر فحسب، فتوجد أمثلة عديدة على تطبيقاته، وآثاره.. وبعضها في أماكن غير متوقعة. ومن أغرب أوجه هذه الظاهرة نجدها في عالم الكيمياء، وتحديدا في بعض العناصر المشعة. فضلا تأمل التالي: جميع العناصر الكيميائية الطبيعية وعددها 92 تلجأ في بعض الأحيان إلى سلوكيات لا تختلف كثيرا عن سلوكيات البشر. تريد ذراتها أن تصل لدرجة «الراحة»، و«التشبع» بالإلكترونيات. بعضها يلجأ إلى «الوناسة» والمشاركة الودية، وبعضها إلى العنف، وبعضها إلى السرقة، والأخرى إلى الشحاذة للحصول على الإلكترونات من العناصر الأخرى. وقمة العناصر الطبيعية حجما هو عنصر اليورانيوم. كل ذرة من ذراته تحتوي على نواة مشحونة لدرجة أنه لا يطيق نفسه.. كبعض البشر.. وتجده دائما يريد أن «يخلص» أو يخرج ما بداخله.. يطلق أجزاء صغيرة من داخله بشكل مستمر وكأنه قمة الزن. وعبر التاريخ كان إيجاد اليورانيوم من دلالات سوء الحظ لأنه كان أحد مخلفات التنجيم عن الفضة. وكانت استعمالاته محدودة تقتصر على صباغة الزجاج ونحو ذلك. ولذا كانت قيمته منخفضة وكان يسمى «بيش بلنده» بالألمانية ومعناها المعدن الأسود، وترمز إلى «الشرارة».. يعني لا مؤاخذة الحظ التعيس. ولكن وضعه تغير تماما في مطلع القرن العشرين على يد عالمة بولندية وزوجها الفرنسي. غيرت «ماري كيوري» وزوجها «بيير» تاريخ العالم عندما اكتشفوا أسرار الإشعاعات، وكان عنصر اليورانيوم في صلب تجاربهم العلمية الرائعة التي أدت إلى فتح عالم جديد من الكيمياء والفيزياء. ومن العجائب أن كمية الطاقة بداخله مركزة، فالكيلو جرام الواحد يحتوي على ما يفوق الطاقة المكافئة الكامنة في نحو 154 مليون حبة لدو.. وربما أن هذه أول مقارنة من نوعها في عالم الطاقة النووية.. ولنعد لنشأة دراسات الإشعاعات فنجد أن تأسيس «القبيلة» الأوروبية العلمية المعنية بدراسة الإشعاعات بدأ في الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي، وكان على رأسها الألمان «ليزا مايتنر»، و«أوتو هان»، و«هايزنبرج»، و«فون فريش»، والإيطالي «إنريكو فيرمي»، وغيرهم. واكتشفوا أن أحد خصائص اليورانيوم أغرب من الخيال، فبالإضافة إلى خصائص الزن المستمر، لو تم ضرب نواة ذراته ضربا مبرحا، ومستمرا، فهو يتحول بإرادة الله إلى عناصر أخرى، وأن يطلق خلال ذلك التحول كميات هائلة من الطاقة. وفتحت تلك الخصائص الأبواب على أحد أهم الفصول في عالم الأسلحة، وكان التمهيد إلى تصميم وتصنيع القنابل الذرية. وتسابقت أمريكا وألمانيا لتصنيعها. وأسست الجهود الأمريكية أكبر برنامج عسكري في تاريخ البشرية. وكانت النتيجة الأولية أنها سبقت الكل ودمرت مدينتي «هيروشيما» و«ناجازاكي» اليابانيتين في أغسطس 1945. وأصبح اليورانيوم من أهم العناصر في العالم في تلك الفترة. ولكن أهمية اليورانيوم لم تقتصر على المجهود الحربي فحسب، فبعد نهاية الحرب، بدأت تطبيقات ذكية جدا لاستخدام اليورانيوم في تطبيقات غير متوقعة. ومنها محركات الغواصات التي كانت تتطلب السير تحت الماء بدون اللجوء للهواء، وتوفر الطاقة لفترات طويلة. وهنا بدأ استخدام الطاقة النووية لتحريك القطع البحرية المختلفة من غواصات وحاملات طائرات. ولكن التحول الأساس في تألق نجم العنصر «الزنان» كان في توفير طاقة رخيصة نسبيا من خلال تصميم وتشييد مجموعات من المفاعلات النووية في العديد في الخمسينات الميلادية من القرن العشرين. وطور العالم التطبيقات السلمية للطاقة النووية باستخدام اليورانيوم كالوقود المفضل. وحيث إن الطاقة المستمدة منه كانت نظيفة بيئيا بدون «هباب»، وحيث إن الكميات المطلوبة منه كانت قليلة لتوليد طاقة هائلة، فقد نجح في البداية في كسب مكانة خاصة في توليد الطاقة في العالم لدرجة أن نحو سدس الكهرباء التي تستخدم يوميا اليوم وكل يوم مصدرها المفاعلات النووية. أمنية خلال هذا الشهر تم الإعلان عن اكتشاف كميات كبيرة من اليورانيوم في أرض الوطن، حيث يقدر المخزون السعودي بكرم الرحمن بنحو 5% من المخزون العالمي. أتمنى أن نوفق في استخدام هذه النعمة لإضافة المزيد من الرخاء للوطن بإرادة الله. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي