أثناء تجولي في معرض الكتاب، وأمام أحد أجهزة البحث الإلكتروني، اقترب مني شخص كَثّ اللحية، مُشمّر الثوب، عابس الوجه، وما أن وقعت عينه على وجهي حتى تحركت مشاعر دفينة في قلبه، فقال لي بكل ثقة وشموخ «إني أكرهك في الله»، وحاول أن يُؤصّل لكرهه لشخص لا يعرفه ولم يؤذه يوماً، فقط لأنه يقول كلاما لا يعجبه، ويعتنق رأياً لا يحبه، ولا يأنس إليه، والأعظم من ذلك أنه يتعبد الله بالكُرْه، فهو ليس كُرْها طبيعيا عندما تكْره شخصاً أساء إليك، أو اعتدى عليك، في حياتك أو معاشك، وهو أمر من المتصور أن يحدث، لأننا لسنا ملائكة وإنما بشر، خلقهم الله على فطرة لا يحيدون عنها، وإنما من غير المتصور أن يَكْره الإنسان شخصا لأنه لا يشبهه، ويقول كلاما ينكره ويختلف معه فيه، فيكرهه لذلك ويدعو الناس إلى التعبد لله بكرهه والبراءة منه، وهذا خطابُ الكراهية الذي مزق دولاً وشتت أمماً، حيث عَمَد الغلاة إلى إشاعة خطاب موغل في الكراهية والطائفية؛ فتمزقت مجتمعاتهم، وتشتت شملهم بسبب كلمات مسمومة سُمح للغلاة أن يطلقوها في خطبهم وكتاباتهم، فكانت أشد فتكاً من الرصاص. والأشدُ خطورة أن يتبوأ دعاة الكراهية مناصب في التعليم، ويمكنون من تمرير تطرفهم للطلاب خلف الأبواب المغلقة، في وقت تخطو فيه الدولة نحو تعميق الخطاب المعتدل، وبث قيم التسامح والوسطية والعودة إلى الزمان الجميل، قبل أن يختطف الغلاة المجتمع ويشحنوه بثقافة الإقصاء والكُرْه والتطرف، ولن يكون ذلك حتى نرى القانون يقف في وجوههم، ونرى دعاة الكراهية يقادون إلى العدالة، وتنزع (الريشة) التي وضعت طوال عقود من الزمن على رؤوسهم الفارغة. * محام وكاتب