يعرف التدين الشكلي بأنه مجرد اتصاف بالمظهر الديني الشكلي لا الروحي (الإيماني)، وربما كان بهذا الشكل كثير الصلاة والصيام والعبادة، ولكنه مجرد من الأخلاق الحسنة والأسلوب الطيب في التعامل مع الناس، فلا حرج أن يكذب ويشتم ويظلم ويفتري ويفجر في الخصومة. والرسالة المحمدية جاءت بإثبات الأخلاق الصادقة وحسن التعامل مع الناس، وبينت أن حقيقة التدين هو ما يكون في القلب من إيمان صادق ويقين جازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره، مع إعطاء الحقوق والتخلص من المظالم وعفة الفرج والعين وكف الأذى باليد واللسان. والعديد من النماذج الإسلامية ذات التدين الشكلي تغفل عن حقيقة التدين وأنه منظومة متكاملة بين يقين القلب وعمل الجوارح يخلط بين الإنسانية والإيمان وهما عنصران لا ينفكان عن بعضهما، لا مجرد إظهار التنسك وتربية اللحية وعدم إسبال الثوب. ولهذا وُجِد من المنتسبين للدين سراق وظلمة ومعتدون، ومحاربون للسلم والتعايش، مما شوه حقيقية التدين بسبب سوء الصورة المنتشرة عنه من التيارات الإسلاموية، وجماعات الإسلام السياسي. لا يختلف منصفان أن للتيار الصحوي وحقبته الظلامية السوداوية النصيب الأكبر من إرث التدين الشكلي من خلال تربية النشء على الصيحات والأناشيد الجهادية وحب القتال وإراقة الدماء وسحق الجماجم، وعدم الااهتمام بالغذاء الروحي للقلب بتعلم معاني القرآن والدعوة إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق واليقين بالله تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته. الوقائع والحوادث أثبتت أن الكثير من المنتمين للمنظمات الإرهابية متجردون من إنسانيتهم لفهمهم القاصر بأن الإسلام دين قتال ودماء، وجهلاء في الأحكام الشرعية فلا يعرفون من الدين إلا الشكل السائد والجلوس مع صديق يحبه في الله للحديث عن الجهاد والحور العين ومصير الكافرين في الدنيا والآخرة. وأرباب التأسلم هم المستفيد الأول من هذا التدين الشكلي الذي من خلاله يستطيعون إرسال المغرر بهم والقطعان إلى أي مكان يستطيعونه للتفجير والتدمير والتخريب، فالحق لديه ما يقوله شيخه ولو كان كلاماً باطلاً مجرداً من الأدلة الشرعية والمعاني الإنسانية. ومن الثمرات الحنظلية للتدين الشكلي حجب الشباب عن الاطلاع وإعمال العقول وصقل الفهوم، مما أنتج جيلا متدجن يرفض الإبداع ويحارب التقدم ويتساهل في التكفير واستحلال الدماء لغذائه بموروث الكراهية (المؤدلج) الذي قرره "دستور الصحوة المتأسلم". والإسلام في حقيقته ليس مجرد لحيةٍ وثوباً قصيراً ودهن عود فواح، بل أخلاقٌ حسنة وتعامل طيب وتنزه عن الظلم وإقامة للعدل وإعطاء للحقوق وتعبد لله بما شرع وكما أراد سبحانه وتعالى دون غلو أو جفاء. وهو (أي الإسلام الحقيقي)، لا يفهم من طريقة الغلاة والمتشددين الذين يحرمون كل مباح ويحاربون كل حرية مكفولة بالشرع، ولا من طريقة أهل الانحلال والفسوق الذين يدعون للرذيلة ويحاربون الفضيلة ولو كانت في صحن الكعبة ببيت الله الحرام. وللخلاص من جرثومة التدين الشكلي يجب تعزيز الأمن الفكري، والقضاء على خطاب الكراهية وتصحيح الخطاب الديني والإيمان بالتعايش وحرية الفكر التي لا تنفك عن حرية الجسد، وتقبل الآخر وعدم تقديس غير المقدس، وإقامة المراكز التي تهتم بملء أوقات الناشئة من الشباب والفتيات ثقافياً وترفيهياً، ليسد الطريق عن وعاظ الشوارع وتجار الأوهام وطلاب الدنيا من اختطاف العقول والفهوم والأجساد بمورثات التأسلم السياسي، ومؤثرات الصحوة التي لم تجر على المسلمين ودينهم السمح خيرا.
A_2016_s@ عضو الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بالمسجد الحرام في مكةالمكرمة -سابقاً-