كشف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في مقابلةٍ حصرية مع صحيفة «التيلغراف» البريطانية، أنه يأمل في أن تكون الشركات البريطانية قادرة على الاستفادة من التغيرات العميقة التي تحدث في بلاده بعد إتمام مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء ذلك في مقابلة للأمير محمد بن سلمان مع الكاتب الصحفي في «التليغراف» البريطانية كون كوغلين، إذ وصفه بأنه الأمير السعودي الشاب المسؤول عن تنفيذ أكبر أجندة إصلاح جذرية في تاريخ بلاده، وأنه رمز للطاقة البشرية. وقال الكاتب كون كوغلين في مقابلته الحصرية مع الأمير محمد بن سلمان، إن ولي العهد، غير راضٍ بتحويل اعتماد السعودية طويل الأمد على ثروتها النفطية الحقوقهائلة فقط، وإنه يشرع في الوقت نفسه في إصلاح المعايير الاجتماعية في البلاد، إذ سيُسمح للنساء بالقيادة في غضون أشهر قليلة، في واحدة من أكثر الإصلاحات بروزاً. وأضاف كوغلين: يستعد ولي العهد الأمير محمد البالغ من العمر 32 عاماً، المعروف ب«MBS»، للقيام بأول زيارة رسمية له وليا للعهد إلى بريطانيا يوم (الأربعاء)، كما أنه متحمس للآثار الواسعة لرؤية 2030 -برنامجه الطموح لإعادة هيكلة اقتصاد البلاد- على اتجاه بلاده في المستقبل. وفي المقابلة، أوضح ولي العهد قائلاً: «نحن نعتقد بأن السعودية بحاجة إلى أن تكون جزءاً من الاقتصاد العالمي. إن الشعب بحاجة إلى أن يكون قادراً على التحرك بحرية، كما أننا بحاجة إلى تطبيق المعايير المماثلة لبقية دول العالم»، وتابع: «بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستكون هناك فرصٌ ضخمة لبريطانيا نتيجةً لرؤية 2030». وتطرق الكاتب كون كوغلين إلى وصف الأمير محمد بن سلمان، وقال إنه بدا مرتاحاً في ردائه العربي الطويل بُني اللون، متحدثاً في محل إقامته في الضاحية الخاصة من حي عرقة غرب الرياض، وقال كون كوغلين: «في السابق، عندما التقيت بولي العهد، كان يتحدث باللغة العربية بشكل رئيسي. ولكنه اختار في هذه المناسبة أن يجيب على أسئلتي باللغة الإنجليزية بالكامل». وتطرق ولي العهد بشكل موسع إلى تأكيد العلاقة الخاصة القائمة بين بريطانيا والمملكة الصحراوية، التي تعود إلى أكثر من 100 عام وإلى الوقت الذي ساعد فيه النقيب وليام شكسبير، المستكشف البريطاني، في رسم خريطة المناطق المجهولة في الجزيرة العربية والتي تشكل الآن جزءاً من المملكة العربية السعودية. وقال: «إن العلاقة بين السعودية وبريطانيا هي علاقة تاريخية وتعود إلى تأسيس المملكة. كما أن لدينا مصلحة مشتركة تعود إلى الأيام الأولى من العلاقة. إن علاقة مع بريطانيا اليوم هي علاقة عظيمة». وخلال الأيام الثلاثة الأولى من زيارة ولي العهد إلى بريطانيا، سيلتقي تيريزا ماي وغيرها من الوزراء البارزين، وكذلك سيجتمع بأفراد من العائلة المالكة. واستطرد كوغلين إلى أن ولي العهد قد أُعطي المهمة العظيمة الممثلة في قيادة مجموعة واسعة من الإصلاحات تهدف إلى تلبية حاجات وتطلعات الشعب السعودي، والذي يُعد أغلبه من الشباب، وأضاف: «أكثر ما تسمعه في الرياض هذه الأيام هي أن 70% من سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليوناً هم دون سن الثلاثين، ولتلقي الكثير منهم التعليم في دول غربية مثل بريطانياوالولاياتالمتحدة، فإنهم حريصون على التطوير. وتحقيقاً لهذه الغاية، قام الأمير محمد بتنفيذ عدد من الإصلاحات الرامية إلى جعل البلاد عصرية بشكل أكثر وتخفيف القيود تدريجياً على حقوق المرأة». وأضاف الكاتب: «بصرف النظر عن السماح لهن بالقيادة اعتباراً من يونيو، فإنه يسمح للنساء الآن بإدارة أعمالهن الخاصة وحضور مباريات كرة القدم، وسيسمح بالاستمتاع بالمُتع البسيطة مثل الذهاب إلى دور السينما. إن الناس في السعودية يسافرون إلى دول مثل بريطانيا ويرون طريقة مختلفة للحياة. وإن التغييرات الهائلة في المملكة العربية السعودية في يومنا الحالي، أصبحت واضحة بالأدلة خلال زيارتي لإجراء المقابلة مع ولي العهد»، مستطردا: «خلال زياراتي إلى المملكة العربية السعودية وكتاباتي عنها خلال 30 عاما حتى الآن، كنت على دراية بالقانون المحافظ الذي يحكم جميع جوانب الحياة الاجتماعية». وأشار كوغلين إلى التزام القيادة الحاكمة منذ تأسيس الدولة السعودية بتحمل مسؤوليتها في خدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة على محمل الجد. ووصف الكاتب في مقابلته مع ولي العهد ونشرتها «التليغراف» البريطانية أنه وكما أوضح أحد الدبلوماسيين، فإن تحسن نمط الحياة الذي يحدث في السعودية يسير جنباً إلى جنب مع برنامج رؤية 2030 الاقتصادية للبلاد. وبحسب كوغلين، فقد قال الدبلوماسي «إنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقا». وأضاف «يمكنك القول إن الاصلاحات الاقتصادية تقود لتحسن الحياة بشكل عام». وكشف كومغلين أن هذه التغييرات نالت بالتأكيد استحسان الوزراء البريطانيين. إذ يقول وزير الخارجية بوريس جونسون إن النقاد لا يفهمون بشكل صحيح التغييرات الجارية في البلاد، قائلاً إن الحكومة السعودية تقوم حالياً «تماماً بنوع الإصلاحات التي لطالما تمناها الناس». وتابع الكاتب: «لكن سيكون هناك أيضاً بعدٌ تجاري صعب لزيارة ولي العهد إلى لندن هذا الأسبوع في ظل سعيه إلى ترويج رؤية برنامج 2030 لرؤساء الصناعة البريطانية». وتناول الكاتب أهم الخطوط الرئيسية لأجندة رؤية 2030، التي يخطط السعوديون من خلالها إلى تنويع اقتصادهم بعيداً عن اعتماده التقليدي على النفط، وهو جمع الأموال من الأسواق العالمية عبر بيع حصة من شركة النفط المملوكة للدولة «أرامكو السعودية»، التي يعتقد الخبراء الماليون أنها من الممكن أن تحصد نحو 100 مليار دولار للمملكة، كاشفا أن بورصة لندن تقدم عرضاً قوياً للفوز بالتعويم، إلا أنها تواجه منافسة قوية من مقدمي العروض الآخرين، خصوصا نيويورك التي تحظى بتأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. الدفاع والاستخبارات وأوضح الصحفي كوغلين أن المسؤولين السعوديين أوضحوا أنه لن يتم الإعلان عن أي قرار خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان هذا الأسبوع. ولكن هناك آمال متزايدة إنه في حالة سير الزيارة بشكل جيد فإنها ستعزز آفاق لندن، فضلاً عن تعزيز العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والسعودية. وأضاف أن الدبلوماسيين البريطانيين يشيرون إلى أن تجارة المملكة المتحدة مع السعودية ودول الخليج تصل إلى نحو 10% من إجمالي التعاملات التجارية (أكثر من إجمالي حجم التجارة مع الصين)، ومن الممكن أن يزيد هذا الرقم بشكل كبير إذا استفادت الشركات والمشاريع البريطانية استفادة قصوى من الفوائد التي يمكن أن توفرها رؤية 2030، واصفا ذلك بأنه بعدٌ مهم آخر لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بطبيعة الحال، وهذا البعد يتعلق بالتعاون في قضايا الدفاع والاستخبارات، التي تُعد واحدة من الدعائم الأساسية الدائمة للعلاقة بين المملكة المتحدة والسعودية. ومن المقرر أن يعقد ولي العهد اجتماعات خاصة مع رئيسي جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5) ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6)، لإضافة إلى دعوته لحضور اجتماع مجلس الأمن القومي، وهو امتياز من النادر أن تحظى به الشخصيات الخارجية الزائرة. وأضاف كوغلين أن ولي العهد قال: «إن الشعبين البريطاني والسعودي بجانب بقية العالم سيكونون أكثر أمناً إذا كانت لديك علاقة قوية مع السعودية»، وأضاف «يعتقد ولي العهد الأمير محمد أنه من خلال تعزيز نظرة إسلامية أكثر اعتدالاً في بلاده وتمثل الإسلام الحقيقي، فيمكن للسعودية أن تلعب دوراً بارزاً في هزيمة التطرف المستوحى من حركات التطرف»، وتابع: «قال الأمير إن المتطرفين والإرهابين مرتبطون من خلال نشر أجندتهم. نحن بحاجة إلى العمل لتعزيز الإسلام المعتدل». وتطرق كوغلين في مقابلته إلى اعتقاد ولي العهد أن استمرار التعاون الوثيق بين الرياض ووكالات الاستخبارات الغربية، مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني، أمر حيوي لكسب هذه المعركة، حيث إن السعوديين قادرون على توفير المواد الخام، في حين أن خبراء الاستخبارات الغربية يملكون المهارات اللازمة لتحليلها، وأن ولي العهد يؤمن كذلك بأن النمو الاقتصادي في السعودية سيفيد بقية المنطقة وبالتالي فإنه سيساعد في هزيمة التطرف، وسرد تصريح الأمير محمد بن سلمان بقوله: «نريد أن نُحارب الإرهاب، ونريد محاربة التطرف لأننا بحاجة إلى بناء الاستقرار في الشرق الأوسط. نريد نموًا اقتصاديًا سيساعد المنطقة على التطور. وبسبب موقعنا المهيمن، فإن السعودية هي مفتاح النجاح الاقتصادي في المنطقة». حملة تطهير الفساد الواسعة وأضاف كوغلين: «ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حظي بالدعم بسبب نهجه الطموح في الاستمرار في تطبيق أجندته الإصلاحية، وفي العام الماضي، تم احتجاز ما يقارب من 380 من بينهم أمراء في حملة واسعة للتطهير من الفساد. وقال الأمير: بريطانيا تؤيدنا جدًا في مخاوفنا المتعلقة بإيران وغيرها من مسائل الأمن الإقليمي. وهي دائمًا حليف وبصفنا». وأكد ولي العهد -بحسب مقابلة «التليغراف»- أنه «أحرزنا تقدمًا كبيرًا في حقوق الإنسان خلال وقت قصير». وكشف الكاتب أنه وبعد زيارة بريطانيا، سيتجه ولي العهد ومرافقوه إلى فرنسا ثم إلى الولاياتالمتحدة، حيث يخطط الأمير لأخذ جولة كبرى حول البلد مدتها أسبوعين، بما في ذلك زيارة لوادي السيليكون، التي يُنظر لها كزيارة مهمة كون الأمير يطمح لتطوير صناعة التكنولوجيا محليًا. واختتم كوغلين بالتأكيد على أنه مع وجود هذا القائد الشاب في السلطة، فإنه من الواضح أن الآفاق المستقبلية للسعودية الإيجابية لا تعرف أي حدود.