* وثيقة: سلمان حازم في تهذيب الأمراء ويفتح أبواب مجلسه لمساعدة مواطنيه * وسط مفاوضات السادات وبيغن.. الأمير سلمان: لا سلام مع إسرائيل إلا بحقوق فلسطين * اجتماع تاتشر مع الأمير سلمان في 1979.. أثبت دهاءه السياسي * الأمير سلمان لتاتشر: لا يمكن أن يكون السادات وحده على حق وكلُّ العرب مخطئون! * ليفر: السعودية ترفض تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين أظهرت الأوراق الرسمية البريطانية، التي تمكنت «عكاظ» من تصفحها، بعد نزع السِّريِّة عنها، بحسب أنظمة دار الوثائق في ضاحية كيو غاردنز ذات الحدائق الغناء، دوراً كبيراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الساحة الدولية. وعلى رغم أنه كان آنذاك الرابع في ترتيب وراثة العرش، وكان يشغل منصب أمير منطقة الرياض، إلا أنه ترك انطباعاً لا ينمحي في نفوس أقطاب المؤسسة التي تحكم بريطانيا. وتشير الملفات الرسمية إلى أن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جون ميجور تم إبلاغه، في تقرير تعريفي تمهيداً لزيارة كان يزمع القيام بها للمملكة العربية السعودية، بأن أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يحظى بمكانة كبيرة، وثقة واحترام ونفوذ داخل الأسرة المالكة. ولعل لفت انتباه رئيس الوزراء إلى شخصية الأمير سلمان يشير ضمناً إلى أن الملك سلمان سيكون ضمن حضور لقاء ميجور بالعاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله)، إلى جانب ولي العهد آنذاك العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله). ويبدو من الملفات التي سمح ل«عكاظ» بمطالعتها أن سفير بريطانيا في الرياض آنذاك كان حريصاً على إطلاع رئيس الوزراء على ما يمتاز به الأمير سلمان من خصال ومحاسن. ففي خطاب موسوم بالسرية، عدد السفير لرئيس الوزراء عدداً من إنجازات الأمير سلمان، خصوصاً رعايته لتطوير العاصمة الرياض، واقتداره في القيام بمهمته رئيساً للجنة نقل وزارة الخارجية والسفارات إلى الرياض. ويصف السفير البريطاني، في رسالته لميجور، الملك سلمان بأنه شخص مؤثر ومحترم وحازم. وأكد لرئيس الحكومة أن الملك سلمان يحظى بالاحترام والتبجيل على نطاق العاصمة، وعلى مستوى الديوان الملكي. وأكد له أن الأمير سلمان حريص على انتهاج السبل الحديثة في عمله، لكنه بقي على احترامه لتقاليد أسرته بلقاء رعايا الملك في مجلسه التقليدي. ويعني ذلك التقييم أن البريطانيين كانوا يعرفون في عام 1991 ما عرفه السعوديون عن براعة واقتدار الملك سلمان في التعامل مع رغبات الجيلين القديم والصاعد. وهو ما بدا جلياً بعد تولي الملك سلمان الحكم، إذ ظلت السعودية تشهد تغييراً في شتى مناحي الحياة والاقتصاد، والثقة التي يوليها الملك لولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي خرج ب «رؤية المملكة 2030» التي بدأت تحدث تغييراً جذرياً في هيكل الاقتصاد والمجتمع السعودي. ويمكن القول إن ما رآه البريطانيون في ما كان الأمير سلمان يقوم به لتطوير الرياض، يحدث على نطاق وطني شامل بقيادة الملك سلمان. وتشير الرسالة الدبلوماسية البريطانية إلى الطبيعة الحازمة لإدارة الأمير سلمان. فقد ذكر السفير البريطاني لرئيس الحكومة أن الأمير سلمان استطاع الإبقاء على الأمور في الرياض تحت السيطرة، إثر اغتيال الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله). كما أشار إلى دور الأمير سلمان في الإشراف على انضباط الأمراء الشبان. ولم يغفل سفير بريطانيا لدى السعودية الجوانب الإنسانية الناعمة لشخصية الأمير سلمان، إذ أقام علاقات طيبة مع موظفي السفارة البريطانية، وكان على الدوام مستعداً لتذليل الصعوبات التي تواجههم. وذكر السفير أن الأمير سلمان يقوم أيضاً بدور مرموق على الساحة الدولية، خصوصاً توليه الإشراف على معرض المملكة بين الأمس واليوم، الذي حضر افتتاحه في لندن، برفقة ولي العهد البريطاني الأمير تشالرز والأميرة الراحلة ديانا. ورعى الأمير سلمان جولات ذلك المعرض إلى القاهرة، وباريس، وألمانيا الغربية، والولايات المتحدة. وذكر السفير أن الأمير تشارلز يعتبر الأمير سلمان أحد أبرز أعضاء الأسرة المالكة السعودية. وتضمن خطاب السفير البريطاني إشارة إلى أنجال الأمير سلمان، خصوصاً ابنه الراحل الأمير فهد بن سلمان وكان نائباً لأمير المنطقة الشرقية، ونجله الأمير سلطان بن سلمان الذي كان أول عربي مسلم يرتاد الفضاء. وأوضح السفير لرئيس الوزراء ميجور أن الأمير سلمان يتحدث الإنجليزية. وطبقاً للوثائق البريطانية، فإن بريطانيا عرفت الأمير سلمان كرجل دولة للمرة الأولى منذ العام 1979، عندما أوفده الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله)، وولي عهده الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود (يرحمه الله) للتباحث مع الحكومة البريطانية في شأن القضية الفلسطينية. وكان ذلك العام الأول في الحكم لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر التي مكثت 11 عاما في زعامة بلادها. وقد أسدى الأمير سلمان النصح لرئيسة الوزراء، وقدم إليها عدداً من التوصيات. ويؤكد ذلك أن الملك سلمان لم يكن مجرد أمير للرياض، وهو منصب شغله باقتدار على مدى عقود، بل هو سلمان الحاني، المربِّي، الدبلوماسي، الحصيف القادر على توصيل ما يريد قوله. بدأ لقاء الأمير سلمان وتاتشر بتهنئة حارة من الأمير سلمان لرئيسة الوزراء البريطانية على فوزها بالانتخابات النيابية، واختيارها رئيسة للحكومة، ودلف مباشرة لشرح الموقف السعودي إزاء قضية الشعب الفلسطيني. وأكد لها الأمير سلمان أن السعودية لن تغير موقفها مطلقاً تجاه حقوق الفلسطينيين. وطبقاً للنقاط التي تم تدوينها رسمياً لوقائع لقاء سلمان - تاتشر؛ فإن رئيسة الوزراء أبدت سعادتها بقبول مصر وإسرائيل التفاوض، من أجل التوصل إلى معاهدة سلام. فباغتها الأمير سلمان بأنه مهما يكن شأن التطورات، فإن النتيجة يجب أن تكون التلبية العادلة لمطالب الفلسطينيين. وأكد لها الأمير سلمان أن السعودية لن تقبل سلاماً مع إسرائيل إلا إذا تمت تسوية القضية الفلسطينية. وحضّ رئيسة وزراء بريطانيا على ممارسة ضغوط على إسرائيل، لأن السعودية تشعر بأن إسرائيل تتعمد تجاهل حقوق الفلسطينيين في أرضهم. وفي موقف ينم عن براغماتية الأمير سلمان ودهائه السياسي، حذر رئيسة الوزراء من أن جمود الموقف البريطاني حيال مطالب العرب لن يفيد منه طرف سوى الاتحاد السوفيتي المنهمك في أساليب الحرب الباردة ضد المصالح البريطانية. وشدد الأمير سلمان على الأمل ببقاء دائم للعلاقة الخاصة بين السعودية وبريطانيا. وفي ما يتعلق بالنفط، أبلغ الملك سلمان تاتشر بأنه ينبغي أن تحض الغرب على ترشيد استهلاكه النفطي، حتى يصبح بمستطاع السعودية أن تطلب من منظمة الدول المصدِّرة للنفط (أوبك) أن تراعي أسعاراً معتدلة لهذه السلعة الإستراتيجية المهمة. ومن الأوراق التي نزعت سريتها في آخر أيام العام 2017، رسالة كتبها السكرتير البرلماني الخاص بوزارة الخارجية بول ليفر، ويشير فيها إلى أن العرب يظلمون السعودية باتهامها بأنها تتخذ موقفاً معتدلاً إزاء الغرب، على رغم أنها ترفض تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، ولتشكيكها في وعود إسرائيل بمنحهم حكماً ذاتياً. وتوضح الرسالة أن الأمير سلمان بن عبدالعزيز أوضح بجلاء لرئيسة الوزراء تاتشر أنه لا يمكن أن يكون الرئيس المصري أنور السادات وحده على حق، وجميع العرب على خطأ، في شأن التعامل مع إسرائيل. ويعني ذلك أن الأمير سلمان لم يتحدث بصفته ممثلاً فحسب لأخويه الملك خالد والأمير فهد (رحمهما الله)؛ بل ممثل لبلاده ولجميع العرب والمسلمين في كل أرجاء العالم. وشدد الأمير سلمان في بريطانيا على أن السادات لن تتم مساعدته مجدداً إلا إذا تم منح الفلسطينيين الحقوق التي يطالبون بها. كما شدد الأمير سلمان على أن وجود قوات أمريكية في الشرق الأوسط سيخلق مشكلات أكبر مما يفترض أن يحلها. وذكر ليفر أن الأمير سلمان طالب تاتشر أن تساند الحقوق الفلسطينية، خصوصاً أنه كان على علم بأن رئيسة الحكومة البريطانية ستلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن قريباً، وأوضح لها جلياً أنه متشائم إزاء المحادثات الوشيكة في الضفة الغربية في شأن الحكم الذاتي الفلسطيني. وأكد أن الحكم الذاتي ليس الأولوية، وإنما الأولوية لإعادة الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وشرح الأمير سلمان للسيدة تاتشر أن السعوديين حساسون جداً تجاه مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالاقتصادات الغربية جراء ارتفاع أسعار النفط. ويبدو أن تلك الدبلوماسية المفعمة بالإنسانية أحدثت تأثيراً في المواقف البريطانية بشكل أو بآخر. فقد اتخذت بريطانيا، في آخر سنة لزعامة تاتشر، قرار خوض حرب الخليج ضد نظام صدام حسين في العراق.