قبل أن يصفر حكم المباراة الافتتاحية للمونديال الروسي بحضور الرئيس بوتين وبمتابعة سكان كوكب الأرض، نعود إلى صافرة قديمة انطلقت قبل ربع قرن في القارة الأمريكية معلنة بداية المسيرة السعودية في كأس العالم أمام فرقة الطواحين الهولندية التي كانت تتسلح يومها بمجموعة من الأساطير البرتقالية الرائعة التي دخلت المباراة دون أن تنتبه إلى نوايا الخصم المجهول قبل أن تتفجر شباكهم بضربة رأسية مرعبة من الوحش السعودي فؤاد أنور.. (بعد مرور دقائق قليلة اكتشفنا أننا نحن الغرباء في هذه المباراة)، هذا ما قاله نجوم هولندا تعليقا على العرض السعودي القوي في هذه المباراة، والذي توج فيما بعد بصعود الأخضر إلى الدور الثاني كأول فريق عربي آسيوي يحقق هذا الإنجاز، ولم يغادر الصقور الخضر المونديال إلا بعد أن تركوا لوحتين خالدتين، الأولى هدف سعيد العويران في بلجيكا والذي يصنف كواحد من أجمل الأهداف في تاريخ كأس العالم، والثانية هدف فهد الغشيان في مرمى السويد الذي أجبر المعلقين بمختلف اللغات أن يهتفوا بذات العبارة: (ياله من هدف رائع). وبعد بضعة أشهر سوف يظهر الأخضر كأول فريق عربي يخوض مباراة افتتاح كأس العالم، ولا نعلم حقا ما إذا كان نجوم الأخضر سوف يفعلون مثلما فعل المنتخب الذهبي في 1994 فيخطف الأضواء ويتحول إلى أحد أهم مفاجآت المونديال، أم أنهم سوف يفضحون جماهيرهم (فضيحة متلتلة) فتصبح كرتنا مادة ثرية لسخرية الجماهير من كوريا الشمالية إلى جزر الكاريبي، ونذوق مرارة (الطقطقة الدولية) بعد أن (طقطقنا) على جميع سكان الأرض، وما من شك أن لدينا خبرة جيدة في الهزائم الكروية وأفلام طرد المدربين في عز المونديال هربا من الوضع المزري الذي وضعنا أنفسنا فيه.. ولكن أملنا كبير بالله ثم بلاعبي الأخضر كي نخرج من المباراة ونحن فخورون بفريقنا لا متلثمين من شدة الإحراج. أكتب هذه السطور قبل ساعات من مباراة تكريم اللاعب الكبير فؤاد أنور في مبادرة مشكورة من هيئة الرياضة، وأتمنى أن تلهم (ذكريات فؤاد أنور ورفاقه) لاعبي الأخضر كي يدركوا أن الروح القتالية والإخلاص الشديد للقميص الذي يحمل شعار الوطن يمثل 90 % من عوامل قوة الفريق في كأس العالم مهما كانت الفروق الفنية كبيرة.. فكل الظروف المربكة التي سبقت مشاركة الفريق في عام 1994 موجودة اليوم بما في ذلك تغيير المدربين قبل المشاركة بوقت قصير، (ومن غرائب الصدف أننا يومها أبعدنا مدربا هولنديا واستعنا بأرجنتيني).. ولكن كل ذلك الارتباك تبخر منذ أولى لحظات المشاركة التاريخية، لأن كل اللاعبين يومها امتلكوا إرادة فولاذية جبارة وشعورا هائلا بالمسؤولية تجاه وطنهم وشعبهم، فكان الإنجاز التاريخي الذي محا ما قبله وما بعده.