تحولت حالات تدافع الكُتّاب لنيل الجوائز إلى «ظاهرة»، إذ تنافست قبل عامين أكثر من 1500 رواية عربية على جوائز مالية سخية، ناهيكم عن مسابقات الشعر وصراع النظّامين، ما يعني أن هناك كتّابا يكتبون لنيل الجوائز، ويخضعون كتاباتهم لضوابط وشروط وهوى القائمين على الجائزة. وأمام التهافت اللافت، طرحت «عكاظ» القضية على عدد من الكتاب والكاتبات، فجاءت ردود فعلهم كتابياً متضامنة مع فكرة الإخلاص للفكرة وللإبداع بصرف النظر عن التنافس على الجوائز والسعي لها والحرص عليها. الببلوغرافي خالد اليوسف، عد الكتابة المستهدفة جائزة مصطنعة، إذ يرتب الكاتب عمله وفق شروط ومتطلبات مسبقة، مشيراً إلى أن مثل هذا التوجه يخل بالحدث والشخصيات والهدف، مؤكداً أن إعلاء شأن الكسب على حساب الفن لا يليق، مضيفا «بصفة شخصية مستحيل أن أفكر فيها، أو أطمح إليها مهما بلغت ليحتفظ باستقلاليته كاتبا حرا». وترى الكاتبة إعتدال عطيوي أن الإبداع لا يخضع للشروط، مشيرة إلى أن الملاحظ وقوع الكثيرين في فخ الجوائز، ما أنتج كثيرا من التزييف والإبداع المرتجل، المفضي به للإخلال والجاعل منه مسخا مرتكبا ما بين الفعل والافتعال. قلق الكتابة فيما قال الروائي أحمد الدويحي: لا أظن أن هناك كاتبا محترما في العالم العربي بالذات، يكتب من أجل الجوائز، ويرى أن الجائزة ربما لا تمنح لقيمة المنتج الإبداعي، قدر ما تمنح لكاتب مقابل ولاء أو تبعية. ويذهب الدويحي إلى أن الجوائز المستقلة حق للمبدعين في كل دول العالم، وتخضع في الدول الحضارية في وعيها وديموقراطيتها لمعايير، يشترك فيها النقاد ودور النشر والجهات المانحة. ولا يتحفظ الدويحي على مبدعين في بلدان تحترم نفسها وجوائزها على سعي كاتب لنيل جائزة طالما لم تكن ذريعة لمساومة الكاتب على موقف ما، وعدّ الجائزة قيمة للمنتج وللدار وللمؤلف، يعيش منها الكاتب ويكتفي عن ممارسة أي فعل خارج سياق الإبداعي، ولا يضطر لدفق ماء وجهه على أبواب ليس لها علاقة بالفعل الثقافي. وأشار إلى أن الكاتب الحقيقي في أوروبا يمثل مؤسسة ثقافية شاملة، يدخل في نسيجها مؤسسات إعلامية ومخرجون ومشاريع ثقافية أخرى، بينما يضطر المبدع في عالمنا العربي إلى معاشرة قلق الكتابة، وتحمل نتائج النشر والتوزيع ونجاح العمل، ولا ينتظر أي مردود مادي من نتاجه الكتابي، بل يصرف على نتاجه من دخله المحدود ومصروفه الخاص. وأبدى الدويحي أسفه أنه لا يوجد مثقف عربي يعيش على نتاجه الإبداعي بما في ذلك نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب، إذ لا بد من ممارسة مهنة أخرى تدر عليه دخلاً إضافياً ليعيش بكرامة. وكشف أنه لم يفكر مطلقاً في الجوائز منذ كتب أول حرف، ومضت كل تجربته الكتابية بعيداً عن وهم الجوائز في العالم العربي، كون ما يعنيه أن تكون كتابته في حال يرضي ضميره ويعبر عما في داخله وما أردت أن أقوله وأقتنع به. وأضاف: أذكر أن مجموعتي القصصية الأولى لم تطبع، وكان من بين نصوصها قصة أسميتها (الجائزة) وتعبر عن رؤيتي لهذا العالم ولكن بطريقة فنية. لا روح فيها من جانبها، ترى الناقدة الدكتورة فاطمة إلياس أنها من الظواهر اللافتة للانتباه في المشهد الأدبي أو الثقافي المحلي بشكل خاص والعربي بشكل عام، مبدية تحفظها على الكتابة من أجل عيون الجوائز السنوية والدورية التي تقيمها بعض المؤسسات الثقافية، أو معارض الكتب والمخصصة لفروع معينة في الأدب والكتابة. وعزت الإشكالية فيمن يكتب من أجل الجوائز، لا في الجوائز ذاتها، كون كتاباتهم منتجا موجها أساسا لاصطياد الجائزة وليس لتوعية أو متعة القارئ، موضحة أن كتابة كهذه مفصلة على مقاسات معينة تساير التوجه الإيديولوجي أو الفكري أو السياسي للقائمين على الجائزة بدلا عن ملامسة قضايا ثقافية أو نقدية لمعالجتها أو تطوير نظرية ما أو نشر الوعي الاجتماعي في موضوع شائك من خلال طرح متوازن وجاد يسهم في التغيير الإيجابي في ثقافة القارئ وذائقته الأدبية وفي التنوير الفكري للمجتمع، وعدتها كتابات خالية من الروح وأشبه بأفلام المهرجانات، وخيانة للحالة الإبداعية، وسُلِقت كالبيض لتخرج ضعيفة فنياً، وأن بعضا منها التي فازت في معارض الكتب لم يقرأها سوى أعضاء لجنة التحكيم! واستثنت جائزة العويس وجائزة الملك فيصل وجائزة الدولة التقديرية كونها بمثابة المكافأة على إنجاز فكري وإبداعي اجتهد فيه الكاتب ردحا من الزمن ولإثراء ثقافة مجتمعه، وقالت البعض أراد اصطياد الجائزة فاصطادتهم. لا للخلط فيما يذهب القاص محمد ربيع الغامدي إلى أن الجائزة من الحوافز التي اتبعها الإنسان على مرّ العصور وعلى اختلاف مستوياته الحضارية، وعدّها أداة بناء تعني بها المؤسسات المعنية ببناء الأشخاص أو الجماعات، سواء كانت تلك المؤسسات ثقافية أم رياضية أم مهنية. ويقسم ربيع الجائزة إلى تشجيعية وتكريمية، مشيراً إلى أن الجوائز التشجيعية تستهدف إنتاجا معينا بصرف النظر عن أصحاب ذلك الإنتاج، بينما يستهدف التكريم أفرادا وجماعات تحت مظلة إجمالي الإنتاج. وأضاف الجائزة التشجيعية تتطلب إعلانا عاما وضوابط معلنة وتسابقا بين المنتجين، أما التكريمية فتقوم على رؤية خاصة دون إعلان ولا تحتمل سباقا أو منافسة وهي أقرب إلى الهبة. ويرى ربيع أن الخلط بين الجائزتين فيه تدمير لأهدافهما، فالتشجيعية لا تكون إلا بضوابط وإعلان على الملأ، والتكريمية لا تخرج عن طقوس التكريم وآدابه.