عد الأنثروبولوجي سعد الصويان، اللغة أداة توصيل وتعبير عما في الذات ووسيلة تواصل مع الآخر بأي لهجة أو لغة محكية، وكشف أن اللغة التي يلقي بها الأكاديميون دروسهم والخطباء مواعظهم ليست العربية الأصلية، وإنما هي لغة مدرسية حادثة، موضحا أنه لا يمكن معرفة متى بدأ الشعر النبطي، كون اللغة العربية مرّت وتمر بمراحل تحولات بطيئة جداً، مؤكداً أن وصف الشعر بالنبطي ليس مثلبة ولا عيباً كون الأنباط عرباً، مبدياً أسفه أن يتخذ البعض موقفاً سلبياً من الشعر الشعبي برغم فضله في تأصيل القيم الإنسانية وأخلاق الفروسية العربية. كشف الصويان في محاضرته بمعرض كتاب جدة عن تعود الشاعر النبطي على روايته شفاهياً، إذ لم يعرف التدوين للشعر إلا قريباً، وعد المجتمع العربي شفاهياً كونه اعتمد الذاكرة الحافظة، موضحاً أن الشعر النبطي امتداد للشعر العربي في اعتماد نقله على السماع ما يمكن معه أن نعكس واقعه على ما سبق من عصور. وذهب إلى أن رؤية الشعرية الشعبية تنطلق من معاناته الذاتية مع الشعر ما يتوازى مع الصنعات والحرف اليدوية وإعداد القهوة، كونهما يمران بطقس لا يمكن إخراجهما بدونه، ولفت إلى أن الشاعر يتغنى بالقصيدة، وأثناء النظم يحن ويعول ويعوي كالذئب الجائع. والتغني يؤكد سلامة الوزن. وروى الصويان أمثلة على رسم المشاهد وتراكم الصور، مشيراً إلى تلازم إنشاء الشاعر لقصيدته بالبيئة المحيطة به، من فضائه ومكوناته، إذ يصف ما حوله، ويضمنه النص، ثم يختار نديباً ثقة لينقل القصيدة عنه لمن هي مرسلة إليه. وعد القهوة مكونا رئيسا وطقسا لتلاوة القصيدة ونشرها وتناولها وتداولها شأن العرب في منتدياتهم في العصور الأولى ما يعني أنها امتداد لبنت الكرم، ولذا سموها الكيف والمونّسة، إضافة إلى شب النار، لتحميسها ودق الهاون ليتحول مجلس الشعر لمجلس طقوسي. وأوضح أن القصيدة تحفظ التاريخ والأحداث والسوالف من النسيان، خصوصاً أن للسالفة تسلسلا منطقيا، يتقنها الراوي، ويسهم السامرون في تشكيل الروايات وتصحيحها والإضافة عليها. وعدّ النبطيين ورواة شعرهم حضاريين في إضافة ألفاظ تنبئ عن ترفعهم بالقول عن مواطن الزلل، إذ عندما يورد بعضهم مفردة (تراب) يضيف بوجه العدو، وجيتكم ولا جاكم بأس، مضيفاً أن السالفة طقس إضافي ورديف للقصيدة النبطية، إذ إن الراوي لا ينقل القصيدة كما هي، بل يهيئ لها أرضية.