كشف الناقد الدكتور حسن النعمي الحدود الفاصلة بين السرد والشعر والرواية والتاريخ والسيرة الذاتية، وتناول في ورشة عمل معرض جدة عن الرواية الأولى إخفاقات بعض الروائيين في السرد والوقوع في خلل التصاعد الدرامي بسبب تعدد الحبكات الثانوية مستعيداً نموذج روايات عبده خال التي تضطر قارئها العودة للوراء صفحات عدة لالتقاط حبكة الفكرة السابقة وربطها باللاحقة، وقال النعمي (مجتمعنا جنى على الأطفال بالقصص البليدة، بما تمرره من أفكار تقتل في داخله روح الإبداع، وتبلّد مشاعره) مشيراً إلى أن السرد فن مواز للواقع، وأن الفنون مصدر إلهام للصناعات والمخترعات، وعدّ الواقع اعتباطياً مقابل النص الروائي بما يمثله من حقيقة فنية. وذهب إلى أن العلاقة بين السرد والواقع علاقة تجاذب وصراع وأن الكتابة لإرضاء آيديولوجيا تدمير للنص، لافتا إلى أن السرد لا يعكس الواقع والسارد سيد الواقع في بناء الفكرة دون مطابقة عبر الأفكار البسيطة التي هي أهم من الكبيرة، مضيفاً أن للمرويات خصوبة قائمة على الفن بينما يراها المؤرخ أكاذيب، وقدم نموذجا لهيكلة السرد وكيف أن الوصف والحبكات والحوار ورسم الشخصيات والحدث ومبرراته مكملات للجسد البنائي، وتناول الأبعاد النفسية والجمالية للقراءة الوعية والمتعة الفنية، موضحاً أن دافع بعض القراء التطفل على حياة الآخرين الخاصة جداً، مؤكداً أن بعض إشكاليات السرد تمثلت في اعتقاد البعض أن النثر سرد حتى أنقذ المغاربة الموقف بالمصطلح السردي ، وعد القارئ سيد المعنى فيما وصف المؤدلج بالفاشل في تجربته الإبداعية والقرائية كونه يتحرك من داخل دائرته الذاتية المحكومة برقابة بالتيار أو الحزب وتحفظ على كتابة المرأة كونها تقع في فخ الكتابة عن المرأة لا الإنسان، وأشاد النعمي بتجربتي رجاء عالم وأميمة الخميس وعدهما كاتبات متجاوزات ، ولفت إلى أن الشعر حظي بأفضلية النوع على السرد، ما تسبب في إعادة تأسيس المنظور الثقافي والنقدي وفقاً لهذه المعادلة، محملاً مقولة (الشعر ديوان العرب) مسؤولية تكريس مبدأ أفضلية الشعر على حساب السرد. وأشار إلى أن الإشكالية ليست بين النوعين، فتجاورهما حتمية تاريخية لا تقبل الجدل. وأوضح النعمي أن المعطيات الثقافية تشير إلى أن نزعة الانتصار للشعر كانت جناية على السرد لتحل به لعنة الإقصاء، التي وصلت ذروتها عند المسعودي حين أعلن أن نصوص (ألف ليلة وليلة) الأولى غثة وباردة. وقال إن ربع القرآن قصة، والرسول عليه الصلاة والسلام وظف القصة القرآنية وقدمها في حديثه بوصفها أحد أهم وسائل الخطاب النبوي، مضيفاً بأن القراءة السياقية التي تربط بين النص وكاتبه يلغي الكثير من التفاعلات الحيوية مع الإبداع، وتناول الدكتور النعمي مسألة انصراف العرب عن السرد رغم انتصار القرآن للقصة مشيراً بالقول إلى أن أمر الانصراف النقدي والفكري عن الاهتمام بالسرد في تراثنا، والانحياز إلى الشعر دراسةً وفناً من أعقد المشكلات التي يمكن الخوض فيها لتداخل الأسباب وتعددها. إذ في المسار الديني، ظهرت خطورة القص في لحظة بدء جمع الحديث الشريف؛ الذي تزامن مع تكاثر القصاص في العصر الأموي، وأوائل العصر العباسي، في ظل تنامي الوعاظ والمذكِّرين الذين كانوا يستخدمون القصص في الترغيب والترهيب بأحاديث موضوعةٍ في الغالب، مما حمل الخلفاء والفقهاء على التصدي للظاهرة.