«ما بين طرفة عين، راح الحبيب الزين، وراحت معه أحلى ليالي حبي الغالي الثمين»، لا شيء يصف حال عشاق المعلم الأكبر ل«الدان الحضرمي» بعد إعلان نباء وفاته إلا كلمات الأغنية التي كتبها ولحنها ل«طلال مداح»، مسترجعين من خلالها ذكريات الصوت الشجي، والركن اليماني في موسيقى الجزيرة، ليغنوا لأبي بكر بعد رحيله بصوت رجل واحد: «روح يا حبيبي روح ليلي تم.. واتهدّم المبنى.. يكفي معي طيفك بعيني عمّ.. والقلب لك مغنى». ولم يعلم الفتى الخارج من «تريم» الحضرمية إلى عدن ثم من بيروت إلى جدة، أن اسمه فقط سيكفيه دون أي لقب كبقية الفنانين العظماء من أبناء جيله، وأن حتى فوزه بجائزة اليونسكو في أفضل صوت بالعالم 1978 في أغنيته «اقوله ايه» حين شهد له العالم قبل 40 عاماً من الآن بأن اسمه سيبقى لقباً و«سر حب غامض» بينه وبين عشاقه. شامخاً على المسارح يجاري اللحن بالصفير ويتكئ بكتفيه كل ذات طرب، مثقفاً في أحاديثه المتلفزة، وموسيقاراً في ألحانه وغنائه، وكأن الفن كتب لمعلم اللغة العربية الذي كثيراً ما كان يستشيره رفاق دربه في كيفية نطق كلمات المواويل الفصيحة، حتى أصبح مرجعاً لغوياً لهم أكمل في الكثير من السنون «مشوار الأحبة» دونهم بعد رحيل الكثير من رفاق مشواره الفني كطلال مداح، حسين المحضار، فايق عبدالجليل، وغيرهم من كبار نجوم الزمن الجميل. المطرب الذي ناصف عبدالحليم حافظ الأسطوانة الذهبية العام 1968 بعد امتلاك أكثر من 4 ملايين شخص نسخة أسطوانته «امتى أنا اشوفك»، والفنان الذي لم يسقط صوته يوماً ولم «تتعب منه المطارات» رغم غنائه في قاعة «ألبرت هول» أكبر المسارح اللندنية التي كانت سبباً في حصوله على لقب «الفنان العالمي» اللقب الذي يحوزه من يشدو على هذا المسرح، لم يثنه مقت الفن من أسرته المتدينة التي ترى أنه لا يليق بابن لهذه الأسرة أن يغني عن شغفه. رحل «فقيه الفن» تاركاً وراءه إرثاً فنياً عظيماً، و«أصيل»، وديوان «قبل الطرب»، ليبكي محبوه كلما سمعوا صوته يرش العطر على الجرح وهو يغني لهم بعد رحيله: «انتهينا عاد حنّا إلا بدينا».