لم يكن رحيل شاعر الوطن الكبير إبراهيم خفاجي فجر اليوم حدثا عاديا عابرا، بل كان مصابا جللا، بحجم مكانة الراحل الذي يردد ما كتبه بشكل يومي نحو 20 مليون سعودي، ويحضر في كل محفل وطني كبير بعد أن خطا قبل أكثر من ثلاثة عقود كلمات النشيد الوطني. وبدت المحبة والمكانة الكبيرة التي يتمتع بها الشاعر المكي المخضرم الذي أجاد في أشعار الغزل تماما مثلما أجاد في التغني بالوطن شعرا، في دفنه بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام أمس، حيث تقاطرت على مقابر المعلاة أعداد كبيرة من محبيه كبارا وصغارا، فيما اتجه عاشقو أحد أهم وأشهر الشعراء السعوديين لتأبين الراحل كلمة وشعرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكان من أوائل الحاضرين لغسله والصلاة عليه ودفنه أحد من عاصروه ووثقوا مسيرته في موسوعة خاصة الناقد الفني علي فقندش، الذي وصفه بالشاعر الفذ الذي يتميز شعره بالسلاسة والبساطة والصور الجميلة. ويؤكد فقندش على قيمة خفاجي عندما كلف بكتابة النشيد الوطني، إذ استغرق منه أكثر من ستة أشهر، بعد أن كان الملك خالد في زيارة إلى جمهورية مصر، وبينما كان في المنصة الرئيسية عزف السلامان الملكي السعودي والمصري، حيث كان يقتصر السلام الملكي السعودي على موسيقى فقط أعدت منذ عهد الملك عبدالعزيز، فطلب من المختصين إعداد كلمات لنشيد وطني يكون مطابقا للموسيقى الموجودة في ذلك الوقت، فطلب المسؤولون من خفاجي أن يكتب كلمات النشيد الوطني وسلموه شروطا عدة، فأتمه بعد ستة أشهر وكان هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وقد بدأ بثه رسميا أثناء افتتاح واختتام البث التلفزيوني والإذاعي اعتبارا من يوم الجمعة 1404/10/1ه. وأشار فقندش إلى أن خفاجي وضع بصمة مميزة في الشعر المغنى، بدليل الأغاني التي قدمها لهرمي الأغنية السعودية الراحل طلال مداح رحمه الله، والفنان محمد عبده، كأغنية «تصدق ولا أحلفلك»، و«على شانُه»، «أشوفك كل يوم»، و«لنا الله»، و«مافي داعي»، و«إنتَ محبوبي»، و«ظبي الجنوب»، لافتا إلى أن جمال أشعار الخفاجي أجبرت مطربين عربا على غنائها كصباح، سميرة توفيق، كارم محمود، وديع الصافي، هيام يونس، عبادي الجوهر. خفاجي الذي سيجاور رفيق دربه الفنان طلال مداح في مقابر المعلاة، انعزل عن المجتمع في آخر شهرين بعد أن ألزمه ضيق التنفس البقاء على السرير الأبيض، لتدهور صحته إضافة لتكالب أمراض القلب والقولون والقرحة والنزيف الداخلي، ما أدى لدخوله العناية المركزة وكان على أجهزة التنفس الاصطناعي، كما مُنعت الزيارة عنه نهائياً حتى وفاته. ويشدد الشاعر والكاتب خالد قماش على أن خفاجي كان وفيا للقصيدة حتى أيامه الأخيرة مستذكرا حضوره الدائم في أحدية الفنان جميل محمود، وحرصه على كتابة بعض القصائد الغزلية التي تداعب قريحته حتى أيامه الأخيرة. وأظهرت وفاته مدى المحبة الكبيرة التي يحظى بها عند الفنانين الذين غنوا له.