للتواريخ أثرها في مسيرة وسيرة الشاعر الراحل محمد الثبيتي، فالشاب القادم إلى مكة من بني سعد، نال الجائزة الأولى في مسابقة الشعر التي نظمها مكتب رعاية الشباب في مكة سنة 1977، عن قصيدته «من وحي العاشر من رمضان» وهو في العشرين من عمره، ما عزز تجربته، ليصدر بعد خمسة أعوام مجموعته الأولى «عاشقة الزمن الوردي»، أتبعها بعد ثلاثة أعوام بمجموعته «تهجيت حلما تهجيت وهماً»، ومع مطلع التسعينات أصدر ديوانه «التضاريس»، لينال 1991 جائزة نادي جدة الثقافي، إلا أنه لم ينجح في استلامها، إذ بدأ الحركيون من الإخوانيين والسروريين أول غزوة عملية لاقتحام أدبي جدة والحيلولة دون نيل (سيد البيد) جائزته، كونهم استشعروا خطورته عليهم من خلال خطف الأضواء ليكونوا في صدارة المشهد وحديث الناس ومحل متابعة المعجبين، ولم يكد ينقضي القرن الميلادي الماضي حتى طبع بصمته مجدداً بنيله جائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة «موقف الرمال.. موقف الجناس»، وقبل رحيله بأربعة أعوام نال جائزة ولقب «شاعر عكاظ» عام 2007، مع أول دورة لإحياء مهرجان سوق عكاظ التاريخي. وعزا الكاتب محمد الساعد كراهية الحركيين للثبيتي إلى شاعريته المتفردة التي خطفت وهج الأضواء من التيارات الحركية تيار (الإخوان، والسرورية)، ما دفعهم لمناصبته العداء، وتصنيفه خصماً لا مناص من القضاء عليه، بدءا من كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، مروراً باستعداء السلطة عليه، وتأليب المنابر والمحاضن الدعوية، والتدليس على العلماء الأجلاء والتلبيس عليهم لينعتوه بما ليس فيه. فيما يذهب الناقد الدكتور سعيد السريحي إلى أن المدة التي فصلت بين صدور ديوان الثبيتي الأول «عاشقة الزمن الوردي» وديوانه الثالث «التضاريس» لم تتجاوز السنوات الأربع، غير أنها كانت كفيلة وكافية لانتقاله من لغة سهلة لم تتجاوز بعض القصائد العمودية المرتبطة بالمناسبات والرومانسية، إلى لغة معقدة موغلة في الغرابة تمثل أنموذجاً فريداً للحداثة الشعرية، مؤكداً أن تجربة أبي يوسف تجاوزت كثيراً من التجارب التي أنجزت على مستوى الشعرية العربية المعاصرة. ويرى الناقد الأكاديمي المكي الهمّامي أن الشاعر محمد الثبيتي حريص على تنويع الأشكال الشعرية، ساعياً من وراء ذلك إلى اختبار الممكنات الجمالية لكل شكل شعري، وعدّ الهمامي تجربة الثبيتي أكبر من كل الأشكال، وإن اتخذت منها سبيلا للتعبير، مشيراً إلى أنه اشتغل في باكورة أعماله الشعرية «عاشقة الزّمن الورديّ»، على ضرب من الالتفات الوظيفي إلى القالب الشعري التقليدي الأكثر تجذّرا في الذائقة الشعرية العربية، لافتاً إلى أن حداثة نص الثبيتي تشكّلت في صلب الأصالة ونبعت منها، ويؤكد أن أمثاله من الشعراء الأفذاذ محصنون ضد التشابه، مضيفاً أن من يقلّب النظر في أعماله الشعرية يجد أنماطا متعددة من قصيدة التّفعيلة تجسّد أقصى مراتب الرّغبة في اللّعب الإيقاعيّ الجادّ، دون ائتلاف بين قصيدة وأخرى في معمارها الشّعريّ، وإنّما الاختلاف الكامل، لافتاً إلى أن هذا أهم ما يتفرّد به معمار القصيدة عند الثّبيتي. ويذهب الشاعر شوقي بزيع إلى أن العمر لم يمتد بالثبيتي لكي يذهب بإنجازه الشعري المتميز إلى تخومه الأخيرة، أو يستنفد بشكل كامل تلك الطاقة الكامنة في شعره، خصوصاً أنه ظل لهيبها يفصح عن نفسه قصيدة تلو قصيدة ومجموعة إثر أخرى، مشيراً إلى ما أنجزه (أقل من 100 نص)، لا يقاس أبدا بعدد الصفحات، بل بقوة الدفع الروحي والتعبيري التي جعلت منه أحد أبرز رموز التجديد في المملكة، وفي العالم العربي بوجه عام، لافتاً إلى أن بعض الشعراء الأكثر غزارة من الثبيتي، والذين تعد إصداراتهم بالعشرات، لم يستطع شعرهم أن يشق بعد طريقه إلى البقاء، في حين أن صاحب «موقف الرمال» يمتلك من المشروعية الشعرية ومن القدرة على الإدهاش ما يمكن قصائده من الصمود طويلا في وجه العدم. ويرى عضو أدبي جدة عبدالعزيز قزان أن خط الثبيتي لم ينته، وأن روحه الشاعرية أشبه بطائر فينيق، موضحاً أن تجربة الثبيتي لم تكن شعرية متدرجة، بل قفزة نوعية من عاشقة الزمن الوردي إلى التضاريس وموقف الرمال موقف الجناس.