من يقارن إنجازات اللجنة العليا المشكلة لمكافحة الفساد في المال العام، خلال ساعات من ولادتها، بما قامت به نزاهة المشكلة لنفس الغرض منذ بضع سنين، يدرك يقينا أن لا نجاح بدون وجود صلاحيات واضحة ومحددة. كانت نزاهة تعمل بدون أي صلاحية، ففشلت في تحقيق الأهداف المناطة بها، وجاءت اللجنة العليا مسلحة بالصلاحيات الواسعة والمفتوحة، فاستطاعت أن تطيح ببعض رؤوس الفساد الكبرى في ساعات. وجود هذه اللجنة التي يرأسها سمو ولي العهد، يعيد فتح النوافذ للأمل أن سيأتي يوم يتقلص فيه الفساد إلى القدر الذي يمكن معه إحصاء عدد المفسدين، فسموه قد وعد الناس بأن لا حصانة لفاسد أيا كانت مكانته او منصبه، ومتى طبق هذا القول عمليا فإنه من المتوقع أن لا تتوقف سلسلة إيقاف المفسدين، لأن هناك حزما كثيرة أخرى من المفسدين تنتظر الكشف عنها. الفساد ليس مجرد اختلاس أو غسل أموال أو عقد صفقات وهمية وأخذ رشاوى، الفساد في مفهومه الواسع يشمل مجالات كثيرة أكبر وأوسع، وكل من يستغل منصبه وما لديه من قوة وصلاحيات لتحقيق أهداف خاصة به، يعد ممارسا للفساد مضرا بالمصلحة العامة، حتى وإن لم يظهر فساده على السطح. ولذلك يكثر ترديد القول بأن الفساد منتشر داخل المجتمع كخلايا سرطانية تستعمر أجزاء كثيرة من جسده. لقد كان مهما للغاية اتخاذ مثل هذا الإجراء التطهيري، فالفساد يعد العائق الأول لتنفيذ الخطط التنموية في وقتها وبالصورة المرجوة لها وبتكلفة مالية معقولة، فالفساد يعد العامل الأكبر في تعثر بعض المشاريع ورداءة نوعية ما ينجز منها وضخامة ما ينفق من أموال لإنجازها، ولذلك من المستبعد أن تنجح رؤية المملكة 2030 في تحقيق أهدافها إن لم تبدأ أولا بتقليم أظافر المفسدين. مكافحة الفساد تعني أول ما تعني، الحفاظ على المال العام، بما يدعم اقتصاد الدولة ويعزز قدرتها على تنفيذ خططها التنموية في أشكالها المختلفة، ومن المتوقع أن تستعيد حملة الدولة ضد الفساد أموالا طائلة اختلست من خزينتها. ضربة يوم السبت الماضي، بعثت سعادة في قلوب كثير من الناس، وأحيت في نفوسهم تفاؤلا براقا بأنهم مقبلون على مستقبل أكثر إشراقا وأفضل حالا، وأنهم داخلون على عصر قادته إذا قالوا فعلوا. [email protected]