الوطنية تعني الارتباط العاطفي والولاء لوطن معين ومحدد بصفة خاصة واستثنائية عن البلدان الأخرى، وهي مفهوم أخلاقي يرتبط بالإيثار والانتماء والتضامن والتضحية والولاء للوطن. هذه المفاهيم المتأصلة والمرتبطة بالمفاهيم الأخلاقية لدرجة أن الفيلسوف ألسدير ماكنتاير اعتبرها حجر الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق؛ وبمعنى آخر أن الإنسان لا يمكن أن يكون أخلاقياً إذا لم يكن وطنياً ينتمي ويرتبط بوطنه يؤثره ويقدمه على حياته ويضحي من أجله ويدين له بالولاء. وعليه فالشخص الوطني هو من يحب بلاده ويدعم سلطتها ويصون مصالح بلاده، هذا الارتباط العاطفي والمفهوم الأخلاقي هو الدافع والمحرك بعد الله وراء التزام الموظف بأداء عمله على خير وجه والجندي في الدفاع عن وطنه والتضحية بروحه في سبيل الوطن، وهو فرض توجبه الأديان والأخلاق والقيم الإنسانية وكلما تقدمت المجتمعات الإنسانية تأصل مفهوم الوطنية وظهر في كل مناحي الحياة والعمل المشبع بالعطاء للوطن بغض النظر عن المقابل والفائدة الشخصية. إن تنمية الشعور والإحساس بالوطنية والارتباط بالوطن والانتماء له وحبه والتضحية لأجله في أطفالنا سيخلق جيلاً يقدم مصلحة بلاده ووطنه ويقوم بأداء وظيفته على أفضل وجه في أي موقع كان، بعيداً عن المغريات المادية أو المعنوية، وسينعكس أثره على الحياة العامة والمحافظة على الأملاك العامة، ويكون كل مواطن العين الساهرة على أمن واستقرار ورخاء هذا الوطن. الولاء لهذا الوطن وليس لفئة أو أشخاص إنما لسلطة الوطن ودولته وحكومته إياً كان موقعه في السلم الوظيفي أو الاجتماعي. المجتمعات التي تتأصل فيها المفاهيم الوطنية تكون أحرص على المحافظة على الأملاك العامة والمصلحة العامة، وتكون أبعد عن الطائفية والقبلية والعنصرية والمناطقية. الوطنية يخاف منها المؤدلجون الذين يتاجرون بالدِّين؛ لأنها تفقدهم الأتباع والمناصرين وتمنعهم من اختطاف العقول التي ترتبط وتتعلق بوطنها وتحافظ على مصالحه، لهذا سعى أهل الصحوة على محاربة مفهوم المواطنة، بل وصل بهم الحد إلى تحريم وتجريم الوطنية، واختلقوا المبررات التي أصبغوها وألبسوها لباس الدين أو التدين، مستغلين الظروف السياسية في المنطقة لإفراغ الشعار الإسلامي من الوطنية وإصدار الفتاوى بتحريم السلام للعلم والوقوف للسلام الملكي الوطني وتبديع اليوم الوطني وكل شعارات ورموز الوطنية باسم الدين، مستغلين العاطفة الدينية لدى المجتمع لتمرير أجندتهم. لقد سعى هؤلاء الظلاميون على تصوير مظاهر الوطنية والحب للوطن على أنه صفة للجهال وصغار السن وأنه يتنافى مع الوقار والاحترام. هذا الخلط استغلوا فيه المنابر الدينية والمناسبات الدينية لإشاعته ونشره بل جعل بعضهم مفهوم الوطنية مناقضا لصحيح الدين. لقد آن الأوان لجعل المفاهيم الوطنية جزءا لا يتجزأ من الثقافة المجتمعية والتعليمية، وقد أحسنت الخطوط السعودية عندما قامت بإذاعة النشيد الوطني في رحلتها 303 والمتجهة إلى جدة، وكذلك توزيع شعار العلم الوطني وصورة الملك سلمان على ركاب الطائرة. لقد كان شعوراً وإحساساً جميلا لدى الركاب وهم يستمعون للنشيد الوطني والفخر ببلادهم ووطنهم وهم يضعون علم السعودية مقروناً بصورة مليكها. نعم آن الأوان لتصحيح ما قام به هؤلاء المؤدلجون؛ لذا فإنني أقترح أن تتبنى الدولة وعلى كافة المستويات تصحيح هذه المفاهيم التي بثها وأذاعها المؤدلجون، وأن تستغل كل المناسبات الوطنية وأن توضع خطط وسياسات مدروسة بعناية تامة لتصحيح المفاهيم وتأكيد الارتباط بالوطن ابتداءً من المدرسة وحتى المكاتب الحكومية وقطاع الأعمال الخاصة، كما يجب على الإعلام القيام بدوره، وكذلك وزارة الشؤون الإسلامية عليها مسؤولة تصحيح المفاهيم التي نشرها الظلاميون من تحريم الوطنية وجعلها مناقضة للدين بهدف تضليل أتباعهم بمثل هذه الأطروحات والتصورات وإبعادهم عن حضن الوطن.. والله الموفق إلى سواء السبيل. * مستشار قانوني osamayamani@