كشفت مصادر ل«عكاظ» رفض لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى تبني توصية تنظيم زواج القاصرات المقدمة على تقريرها بشأن التقرير السنوي لوزارة العدل، وبررت اللجنة رفضها للتوصية بحجة «أن هذا الموضوع من اختصاص هيئة كبار العلماء ومطروح أمامهم وبصدد إصدار قرار بشأنه». وأكدت المصادر أن مقدمي التوصية الدكتورة موضي الخلف، والدكتورة لطيفة الشعلان، والدكتورة نورة المساعد، والدكتور عيسى الغيث، والدكتورة فوزية أبا الخيل متمسكون بالتوصية المقدمة وسيطرحونها أمام المجلس في إحدى جلساته القادمة لإخضاعها لتصويت الأعضاء. وبيّنت عضو المجلس وأحد مقدمي التوصية الدكتورة موضي الخلف ل«عكاظ» أن مقترح تنظيم زواج القاصرات قُدم كتوصية وليس كمشروع وفق المادة 23 من نظام المجلس، لأنه لا يوجد لدينا قانون للأحوال الشخصية كبقية الدول، وفي ظل هذا الفراغ التشريعي لا يمكن تقديم موضوع زواج القاصرات إلا كتوصية، لاسيما أن العمل في وزارة العدل مبني على لائحة مأذوني عقود الأنكحة وتعاميم بتعليمات صادرة من وزارة العدل (أي أنها أمور تنفيذية). وأكدت الخلف أن اعتذار لجنة الشؤون الإسلامية في المجلس عن تبني التوصية بحجة أن الموضوع من اختصاص هيئة كبار العلماء ومطروح أمامهم وبصدد إصدار قرار هو اعتذار يصادر دور مجلس الشورى كجهاز استشاري وكجهة مسؤولة عن رفع اقتراحاتها للملك والنابعة من حاجات المجتمع الآنية، موضحة أن وجود بعد شرعي للتوصية لا يمنع من تناوله في المجلس إطلاقاً، فهو ليس من الأمور العقدية أو التعبدية، بل هو من شؤون الحياة الخاضعة للمتغيرات ومسألة دنيوية وسياسة شرعية للمصلحة العامة وليست مسألة دينية محضة حتى تحال لجهة الفتوى (فمثلها مثل منع الزواج دون كشف طبي مثلاً)، ولا ننسى قوله صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بأمر دنياكم»، لافتة إلى أن الكثير من أنظمة الدول الإسلامية وبناء على المصلحة الراجحة تقيّد سن الزواج بسن معين، مثل قوانين بعض الدول الخليجية والبلدان العربية التي تنص على عدم جواز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. وكان مقدمو التوصية ذكروا في توصيتهم أنه على وزارة العدل عدم عقد النكاح للفتيات دون سن 15 إطلاقا، وأن يكون عقد النكاح للفتيات دون سن 18 بضوابط أربعة، وهي موافقة الفتاة والأم، وتقرير طبي من لجنة مختصة لتأكيد أهلية الفتاة الجسدية والنفسية والاجتماعية للزواج، وألا يكون عمر الزوج أكثر من ضعف عمر الفتاة، وأن يكون عقد النكاح عن طريق القاضي المختص بمثل هذه الأنكحة المشروطة. وقدم مقدمو التوصية للجنة عددا من المسوغات، من بينها مسوغات شرعية وصحية ونفسية، وأفادوا بأنه من الناحية الشرعية فإن التوصية تنطلق عملاً بالقاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار»، وأن حفظ النفس الإنسانية من الضرر مقدم على ما سواه، ولما ثبت من الأضرار النفسية والاجتماعية والجسدية المترتبة على زواج القاصرات، ولقوله عليه الصلاة والسلام «أنتم أعلم بأمر دنياكم» أما من ناحية الصحة الجسدية للأم ومواليدها فقد أثبتت الدراسات أن الزواج المبكر له مضاعفات جسدية سلبية على صحة الفتيات، مثل ازدياد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، إضافة لازدياد العمليات القيصرية بسبب تعسر الولادة في العمر المبكر مع ارتفاع نسبة وفيات المواليد نتيجة للمضاعفات المختلفة مع الحمل والولادة للفتيات في عمر مبكر، ومن ناحية الصحة النفسية للأم ومواليدها فقد أثبتت الدراسات النفسية أن زواج القُصر يرتبط بارتفاع المعاناة لاحقا من الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والوساوس والمخاوف الاجتماعية واضطرابات النوم ومشكلات التوافق الجنسي، وتمتد المضاعفات النفسية المختلفة إلى أطفال الأم القاصر نتيجة قصور النضج العقلي والاستعداد النفسي اللازم للقيام بوظيفة الأمومة. ورصد مقدمو التوصية أن التسرب من التعليم في مرحلة دراسية مبكرة يعد أحد أشد نتائج الزواج أو الحمل المبكر وأكد مقدمو التوصية في مبرراتهم أن تزويج الفتيات القصر مخالف للاتفاقات التي وقعت عليها المملكة، مثل التصديق على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عام 1988، التي تنص المادة الأولى منها على أن الطفل هو الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتصديق المملكة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عام 1979، التي تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة منها على ألا تكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج.