اعتاد الناس اتخاذ الشيب دون التجاعيد رمزا لذهاب الشباب وإقبال الشيخوخة، ربما لأن الإنسان حين تبدأ التجاعيد تغزو صفحة وجهه، غالبا يكون أول رد فعل له تجاهلها، ومغالطة عينيه بإنكار ما ترى، وربما أيضا لذلك يكثر في شعر الشعراء ذكر الشيب ولا يظهر أثر يذكر للتجاعيد والترهلات التي تغزو صفحة الوجوه، كأني بأولئك الشعراء يظنون أن التجاعيد على وجوههم لا ترى كما يرى الشيب الذي لا يقدرون على إنكاره. مشكلتنا مع التجاعيد، أنها حين تغزو صفحة وجوهنا، لا تكتفي بذلك، فهي تتسلل إلى أعماقنا في غفلة منا، كحية ناعمة تنساب برفق لتغرس أنيابها البغيضة في قلوبنا وأرواحنا فتسقيها سما من الكآبة والضيق. نجحت المعرفة العلمية في هزيمة الشيب بالصبغة، وهزيمة التجاعيد بحقن البوتكس والفيلر وغيرها، لكنها إلى الآن لم تنجح في هزيمة تجاعيد القلب. ما زالت القلوب المتجعدة تنغص عيش أهلها، كلما ودوا تفاعلا حارا مع الحياة، طلت عليهم قلوبهم المتغضنة فشلت قدرتهم على ذلك وأرتهم الأشياء من حولهم باهتة، باردة، بلا وهج ولا بريق، ولا دهشة أو إثارة، نجح الإنسان في هزيمة التجاعيد على وجهه، لكنه عجز عن هزيمة التجاعيد في قلبه. أسوأ ما في تجاعيد القلب أنها تحجب الضوء والإشراق عنه، فيصاب ببرود يجمد خلايا الاستمتاع داخله، فتنطمس أمامه مباهج الحياة. رغم أن الإنسان في شيخوخته قد يكون أقل انشغالا وأكثر مالا وأنعم عيشا مما كان عليه في شبابه، إلا أن استمتاعه بالحياة يكون أضعف. أغلب الناس ينهزمون أمام غبار السنين، يستسلمون للتجاعيد تحفر دروبها في قلوبهم حتى يصيبها التآكل، وتنثلم من كل جانب فما تعود قادرة على الاحتفاظ بما كان يعمرها من أمل وبهجة وإشراق. قلة من المحظوظين هم الذين يستطيعون الصمود في وجه أعاصير الزمن، ومقاومة غبار السنين، فيحتفظون بقلوبهم ملساء خالية من التجاعيد، لم تمسها خطوب الحياة بأثر.