المملكة العربية السعودية منذ توحيدها، جعلت من خدمة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن منطلقا أساسيا من منطلقاتها الراسخة والثابتة، ومهمة أساسية من مهامها، وأخذت تطور كل عام في الخدمات والبنى التحتية للمشاعر المقدسة، وصرفت على ذلك مليارات الريالات بدون منّ ولا دعاية، وعندما تسلم خالد الفيصل إمارة منطقة مكةالمكرمة نهاية ربيع الآخر من عام 1428 كان أول تعليق له بعد صدور الأمر الملكي بتعيينه أميرا لمنطقة مكةالمكرمة «إنها أغلى ثقة.. من أكبر رجل.. في أقدس بقعة» ورأى بفكره الثاقب أن مكة ليست كأي منطقة، ولا يجب أن تدار إدارة تقليدية وبدأ التفكير في بداية الانطلاقة التى يمكن من خلالها التحليق بهذه المنطقة الاستثنائية، فاختار لها الفكرة المحلقة لبناء الإنسان متوازيا مع تنمية المكان وبدأت المسيرة وبدأ كفاح الأمير المفكر في بث رسائله الملهمة والمحفزة التي ركزت من وجهة نظري على أربع ركائز أساسية هي: 1- الإسلام دين حضارة وثقافة وأخلاق وقدوة في كل مناحي الحياة، هذه الركيزة الأولى والتي يؤكد عليها دائما فلا يكاد يخلو أي لقاء مع الأمير، إلا ويؤكد على ذلك معتزا بهذا الدين داعيا كل الشباب إلى الفخر والاعتزاز بدينهم الحق المعتدل بعيدا عن التطرف أو الانحلال، حتى إنه اعتمد كرسي الأمير خالد الفيصل للاعتدال بجامعة الملك عبدالعزيز والذي تحول بعد ذلك إلى مركز بحثي للاعتدال. 2-الإنسان السعودي قادر على المنافسة العالمية بل والصدارة، وهذه الركيزة الثانية التى عرف الأمير خالد الفيصل بثقته المطلقة في الإنسان السعودي وحثه المستمر للشباب بعد كل منجز بمقولته المشهورة (ارفع رأسك أنت سعودي) وقولته المشهورة الأخرى مكاننا الصف الأول من العالم الأول، وهو بذلك يزرع هذه الرؤية وهذا الهدف في نفس كل شاب سعودي. 3- احترام النظام: وهذه الركيزة الثالثة التى كان يؤكد عليها حفظه الله في جميع لقاءاته بل ويطبقها شخصيا فالجميع رأى أن الأمير خالد الفيصل حصل على تصريح حج وكان يبرزه للجميع في إشارة إلى أن النظام لا يستثني أحدا، حتى أصبح الجميع يدرك مدى التزام الأمير بالنظام واحترامه له، وهذه أبلغ رسالة للجميع بأهمية النظام والالتزام به. 4- التحفيز والتشجيع لكل عمل مخلص مبدع: وهذه الركيزة الرابعة التى حرص الأمير خالد الفيصل على نشرها من خلال اعتماد جائزة مكة للتميز، والتي أسهمت في إذكاء التنافس وتجويد الأداء والإبداع فيه، ولتحقيق هذه الركائز الأربع كان لابد من برنامج عمل شامل ثقافي وإداري، فأصدر كتابه الشهير (من الكعبة وإليها: بناء الإنسان وتنمية المكان). كما اعتمد حفظه الله ملتقى مكة الثقافي الذي أطلق العنان للإبداع والابتكار، لكل الجهات الحكومية والخاصة والخيرية والأفراد واختار العام الماضي مبادرة (كيف نكون قدوة؟) لتكون محور ملتقى مكة الثقافي، وعقد لذلك لقاءات عدة حضر معظمها شخصيا وشارك في ندواتها وورش العمل الخاصة بها ونوقشت كل المبادرات من كل الجهات بحضوره واستمع الجميع لملاحظاته وأفكاره الرائدة ثم حكمت لتكون كل المبادرات متسقة مع هدف المبادرة، وبالفعل أحدثت هذه المبادرة (كيف نكون قدوة؟) حراكا ثقافيا حضاريا رائعا، حتى أصبح الجميع جاهزا نفسيا وفكريا للعمل وفق مبادئ هذه المبادرة، فكان أول اختبار عملي لأثر هذه المبادرة هو خدمة ضيوف الرحمن في الحج، ورأينا جميعا تلك اللمسات الحضارية الأخلاقية لتعامل شبابنا السعودي كبارا وصغارا مسؤولين وموظفين وغير موظفين في حج هذا العام 1438، إنها بالفعل مفخرة لكل سعودي وشاهد عيان للعالم أجمع على قدرة الإنسان السعودي وتميزه، فمن خلال اللقطات العفوية التي تلتقط لبعض رجال أمننا أو الكشافة أو رجال الصحة أو الأفراد صغارا وكبارا، يشعر الإنسان أنه أمام مشروع حضاري إنساني أخلاقي تقوده المملكة العربية السعودية بشبابها الرائعين، وقد تناقلت القنوات العالمية هذا الحدث العالمي المهيب بدهشة متناهية، فهذه مذيعة قناة الCNN لا تخفي دهشتها وانبهارها وهي تشاهد التنظيم الدقيق والتقنية المستخدمة (إي بيلجرام) للتعرف على الحاج من خلال أسورة في يده، كما كان لوكالة الأنباء الفرنسية تعليق على صورة حافلات نقل الحجاج التي ظهرت في صفوف متراصة ومنتظمة (بأن هذه ليست أشرطة كاست أو كتبا مرصوصة إنها صورة جوية حية لحافلات نقل الحجاج في يوم عرفة). والعديد من اللقاءات مع الحجاج والمحللين للمشهد أوضحت بجلاء النجاح الكبير الذي تحقق في حج هذا العام، ومن وجهة نظري أن أعظم نجاح تحقق هو تميز نجاح الإنسان السعودي وإثبات قدرته وعزيمته وإخلاصه وتجسيده لأخلاق الإسلام وحضارته، وهو الفكر والأثر الذي راهن عليه وكافح من أجله مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل. إننا نهنئ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وصاحب الفكر والأثر الأمير خالد الفيصل على هذا النجاح وهذه الروح الحضارية التي تستحق كلمة الأمير (ارفع رأسك أنت سعودي) وكل عام وبلادنا وقادتنا ورجال أمننا وشعبنا بخير. * مدير التعليم بالقنفذة