لا أعرف متى سنتخلص من مرض الشك في الناس بأنهم يحسدوننا ويضربوننا عيونا بنظراتهم الفتاكة؟ عشت في مجتمعات كثيرة، ولكن للمفارقة وجدت أن مجتمعنا وهو المفترض بأنه يؤمن بالقدر يخاف جدا لدرجة «الفوبيا» من الحسد. وأحيانا ترى مفارقات كوميدية فتجد الخائف من الحسد ليس في موقع حسد إطلاقاً وإنما تسول له نفسه الشكاكة بأن الكل معجب بشخصه أو بأبنائه النوابغ أو منزله الذي ليس له مثيل. زارت صديقة لي ذات يوم امرأة في المستشفى لتبارك لها على مولودها الجديد. فكان من سوء حظ صديقتي أن لحظة دخولها لحجرة المستشفى بكى الطفل المولود بكاء شديداً ولم يسكت، وعندها قام الكل بسحب الطفل بعيداً وإخفائه مع نظرات تأنيبية لصديقتي خوفاً من عيونها فليس لديها أطفال، فهي بالضرورة سوف تحسد «المحروس» ويجب تخبئته من عيونها. والمضحك أنك تقابل أشخاصاً يشتكون لك من الإجازة وطولها وحرارة جوها والزهق الذي عانوه فيها فهم لم يسافروا ولم يغيروا جوا، وفجأة تجد من يعرفهم على حسابات التويتر والسناب شات يخبرونك عن رحلاتهم وصورهم - طيب يا جماعة لو أردتم أن تكونوا كذابين فبالقليل كونوا أذكياء وأخفوا صوركم من وسائل التواصل الاجتماعي. وترى بعضهم ينكر بأنه سعيد في حياته أو وظيفته أو بيته لكي لا تحسده ولاحظت هذه الظاهرة متفشية للأسف بين النساء، فتقول المرأة للأخريات إن الزواج إجمالاً لعنة وزوجها بالذات مصيبة وحياتها مليئة بالكوارث ولا تذكر ميزة واحدة في زوجها أمام أحد إطلاقا خوفاً من أن يغري «خطافات الرجالة» مثلاً! وهناك النوع الذي يمطرك بجميع أنواع الأسئلة حتى الشخصية منها ويريد امتصاص أكبر قدر من المعلومات منك، وحينما تسأله سؤالاً بسيطا لا يجيب عليك بل ويضللك ويعرقلك ويناورك إلى أن تفهم أنه لن يجيبك لأنه خائف من عينك أن تحسده ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولذلك فيجب أن نتواصل حالياً مع مدارس علم النفس لإضافة نوع جديد من أنواع الفوبيا إلى القائمة وهو «الحسدوفوبيا» وممكن أن نساعد أصدقاءنا الإنجليز ونوفر لهم ترجمة جاهزة للمصطلح مثل «الإنفي فوبيا» أو «الإيفل آي فوبيا» وهنا سوف أؤكد لكم يا كرام أن الجامعات العالمية سوف تتسابق في استقطاب خبراء من منطقتنا لشرح مبهمات وأعراض هذه الفوبيا وأسبابها، فنحن الرواد في هذا المجال لا ينافسنا فيه أحد.