«فوبيا» هو مصطلح نفسي معناه الخوف والهلع الشديد من أي شيء يخافه المريض، وأقول هنا: إننا قد أصبح لدينا في جدة فوبيا جماعية من سحابة أو غيمة أو مطرة ، فعند الساعة الواحدة ظهرا من يوم الثلاثاء الماضي تلبدت السماء ببعض الغيوم ، وتلقيت اتصالا من ابنتي التي تدرس في جامعة دار الحكمة في جنوبجدة وهي في حالة يرثى لها تطلب مني إرسال السيارة حيث إن مسؤولة قد أثارت الهلع في الجامعة مشكورة بالنداء العاجل المبني على اتصالها بقوات الدفاع المدني للبنات بأن يتجمهرن في وسط الجامعة مع ندائها العاجل عبر الميكرفون بالاستغاثة لله سبحانه وتعالى والتهليل والتكبير بأن الله لا يغرقهن وينجيهن من هذه المطرة ، مما أثار الهلع والفوبيا لدى البنات والهيئة التعليمية ، ودبت الفوضى في أرجاء الجامعة ، وأصبح الجميع بما فيهم الأهالي خائفين جزعين مما سيأتي، أهكذا نريد أن نقود الأزمة؟ ألم تفكر المسؤولة بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، وأنه يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، أم أصبح كبيرنا قبل صغيرنا لديه فوبيا الأقدار والحاصل لا محال بالمقابل فإن بناتي الأخريات في مدارس دار الفكر والمدرسة لا تبعد بضعة أمتار عن الجامعة قد تعاملت المديرة بكل بساطة وهدوء مع سحابة المطر التي لم يهطل المطر منها إلا الساعة العاشرة مساء ولم تصرف البنات إلا عند مهاتفة أمهاتهن وذلك على أثر الهلع الذي أصاب المسؤولة في دار الحكمة ، حيث إن معظم البنات لديهن أخوات في الجامعة. إننا في أول فصل الشتاء ومن الطبيعي أن الطقس سيكون ممطرا في هذه الأوقات ككل سنة، وهنا أتساءل ماذا سنفعل؟ وماذا ستفعل مسؤولة دار الحكمة ؟ هل ستغلق أبوابها كما فعلت بعد السيول لمدة أسبوع ، فبعد أن رجع الطلاب إلى مدارسهم قررت الجامعة أن تؤجل الدراسة أسبوعا احتسابا لأي مطرة ، فقد أصبح لدينا فوبيا المطر ، أهذا من قلة الإيمان أم أصبح الموت لدينا خوفا بما سننتظره ما بعد رحلتنا القصيرة في هذه الدنيا ، أم أصبحت حياتنا فوبيا بحد ذاتها، فأصبحنا نخاف الموت، والحياة، وأصبح لدى شبابنا فوبيا التعليم ، أصبح لدينا فوبيا الحقيقة ، فصرنا نختبئ تحت غطاء الدين لكي لا نواجه فوبيا الدنيا . مدارسنا وجامعاتنا أصبح بعضها لا يسير سيرا صحيحا ، وأصبح لدينا فوبيا مواجهة الحقيقة، وأصبح لدينا فوبيا المواجهة، فالكل يحاول أن يتنصل من مواجهة أن الدين هو الحياة ، والمنهج الذي نتبعه في حياتنا هو ما زرعه الغرب في عقولنا بأن كل ما هو دينيّ هو إرهابي وأصبح لدينا فوبيا الدين، فلا صلاة للشباب ولا إنابة للكبار، فها هي حياتنا نعيشها ويعيشها أبناؤنا تحت أنظارنا ، فوبيا الدين والإنسانية، فأصبح الجميع إلاّ من رحم ربي يبتعد عن الدين كأنه وحش سينقض على كل ما نحبه ونشتهيه، حتى العلم لم يسلم من فوبيا الدين ، فهناك مواد وكتب تخدش الحياء ، ومصطلحات وأفكار تناقض تعاليمنا الإسلامية والإنسانية والدينية التي تربت عليها أجيال الصلاح، وكانت بها نصرة الأمة، أما شبابنا وفوبيا العلم فحدث ولا حرج، فها نحن ننحدر من قمة الجبل رويدا رويداً أمام أعيننا ولا نبصر ، ونفسر الدين الذي اصطفاه الله عن سائر الأديان لنا، بما يخدم مصالحنا، ونجعله رداء نلبسه عند اللزوم ونخلعه تحت غطاء الليل. أصبح لدينا فوبيا الفقر، والعوز، ألم نفكر أن الله بيده مقادير الرزق، والفقر؟ أصبح لدينا فوبيا الألقاب ، فقد تجزع وتخاف إن لم تصبح وزيرا أو شيخا، أو نتصدر قائمة فوربس للأغنياء، وأصبح لدينا فوبيا الفوبيا لكل ما لا نحبه أو نرضاه أو يوافق أهواءنا، إن العمى ليس عمى العيون بل هو عمى القلوب. الفوبيا أصبحت في حياتنا واقعا ملموسا ، يتلمس كل جوانب حياتنا ، أفبعد كل هذا نتظاهر أمام العالم أننا ما زلنا أصحاب رسالة ، والدنيا كلها تنظر إلينا بأننا منافقون نقول ما لا نفعل، فسدت عقولنا وأفسدها بعض المسؤولين عن حمايتنا من بعد الله، فلم يعد لدينا ثقة لا في إعلام ولا في وعود، إلا من قل إدراكه وغفل قلبه ويريد أن يصدق ويتعلق بأمل كالسراب، إنسانية الإنسان هي صدق طلبه وعمله وسريرته، واتكاله على الله في سائر أعماله، فأين نحن من هذا ؟ همسة الأسبوع: إذا يئست من الدنيا، فلا تيأس من الخالق، وإن كنت وحيدا، فأجعل ربك مؤنسا لك، وتوكل على الله في كل أمورك، واجعل الإيمان رفيق دربك وصديق وحشتك، واستعن بالله أينما اتجهت، وخف الله كأنك تراه ، ولا تخش الناس بأن يضروك واحفظ ربك يحفظك. *كاتبة سعودية [email protected]