حذر المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، من جعل موسم الحج من أوامر الجاهلية بأن يجعل موسما للمزايدات أو مكانا للشعارات أو المظاهرات أو الدعوة للأحزاب والتجمعات، وقال: يجب أن يجعل الحج لله وحده، كما قال تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)، حيث لا مكان للشعارات الحزبية ولا للدعوات المذهبية ولا للحركات الطائفية التي نتج عنها تشريد الملايين. وحث الأمة قاطبة بالتمسك بكتاب الله لنيل الهداية والفلاح. واستهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر. جاء ذلك في خطبة عرفة، حيث توافدت جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات أمس (الخميس) لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً؛ اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن. وتقدم المصلين مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل، وسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ. ودعا الشثري حجاج بيت الله على تقوى الله بالتزام شرائعه وترك نواهيه للفوز بمحبة الله ومعيته والفلاح في الدنيا والآخرة، وتحدث عن أركان الإسلام، مختصا الركن الخامس بالحديث قائلا: أما الركن الخامس فهو حج بيت الله الحرام. وأوضح أن رسول الله حج في السنة العاشرة ونزل عليه في يوم عرفة قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)، وقال: «وما ذاك إلا أنه كمل دين الله وتمت شريعته المشتملة على الفضائل العالية والمحاسن الشريفة، مشيرا إلى أن من محاسن هذا الدين أنه حض على الاجتماع والتآلف والتعاون على الخير، كما حث المؤمنين على الأخلاق الفاضلة والأقوال الطيبة». وواصل حديثه عن محاسن الشريعة، مشيرا إلى أن مما اقتضته هو بر الوالدين وحسن تربية الأبناء وصلة الرحم ليتماسك المجتمع ويتآلف، ونهيها عن الفواحش والموبقات. وبين أن دين الإسلام شدد على مبادئ الأمن والاستقرار في المجتمع لتزدهر به الحياة وتنمو به التجارات وتطمئن به القلوب وليتمكن الناس فيه من عبادة علام الغيوب، لذا امتن الله على عباده بنعمة الأمن باعتبارها منحة لمن قام بشرعه، إذ إن المسلم مساهم في الأمن في كل مكان فهو لا يعتدي. وقال: طريقة المسلم عدم تجاوز ما أمر الله به من الوفاء بالعهود والمواثيق والمسلم ملتزم بما أمر الله به من طاعة ولاة الأمور بما يحفظ النظام العام وينتج عنه استقرار البلدان وأمنها، فالمسلم يمقت الاعتداء على الآمنين من المسلمين وغيرهم في مختلف البلدان ويدين الاعتداء والجماعات الإرهابية، وأن الشريعة جاءت بما يحفظ الأمن والاستقرار في كل المجالات فحفظت الأمن العقدي والأمن الفكري والأمن السياسي والأمن الاخلاقي، وجاءت بحفظ الأمن في الدول والأوطان، ولإن كان الشرع يأمر بنشر الأمن والسلام والاستقرار في جميع بقاع العالم فإن الشرع يؤكد ذلك في هذه البلاد المباركة، واستطرد: توعد الله من هم بالإحداث في الحرمين، فقال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وكما أمن الله الحرمين الشريفين بهذه الولاية الإسلامية نسأل الله سبحانه أن يعيد المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يحفظ أهلنا في فلسطين وأن يمن عليهم بالأمن والعيش الرغيد واسترجاع حقوقهم. وأعاد الشثري إلى الأذهان خطبة الرسول في هذا الموطن الشريف حين قال: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميا موضوع»، مبينا أن المسلمين نهوا عن الجاهلية العصبية المقيتة والتمييز بين الناس ورفع الشعارات والتفاخر بالأباء والأجداد. وخاطب قادة الأمة قائلا: هذا كتاب الله بين أيديكم سيروا على هدية وحكموه وانشروه في الأمة، كما دعا علماء الأمة إلى الاستنباط من كتاب الله لحل المشاكل باعتبار كتاب الله هو المصدر الكامل للهداية، كما حث الإعلاميين إلى وجوب نشر ما دعا إليه القرآن العظيم من الخير والفضائل. وأوصى أصحاب المال بالتقرب إلى الله بالبذل مما أتاهم الله من المال في نشر كتاب الله وترغيب الخلق في تعلمه وتعليمه والعمل به والدعوة إليه. وأخيرا سأل الله عز وجل أن يتقبل من الحجيج حجهم وييسر لهم أمورهم، وأن يعيدهم لبلدانهم سالمين غانمين.