بغض النظر إن كانت نازك الملائكة، أول من كتب الشعر الحر أم لا، تبقى قصيدتها «الكوليرا» من الأعمال الطليعية التي نسجت خيوط الشعر حرا، بعد أن أوجعها انتشار وباء الكوليرا بمصر في 1947. فكتبت: في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ/ الصمتُ مريرْ.. لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ/ حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ/ الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ.. الميّتُ من سيؤبّنُهُ/ لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ/ الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ.. يبكي من قلبٍ ملتهِبِ/ وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ/ يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ.. لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ/ يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فَعلَ الموتْ. ويصادف أمس الأول (الأربعاء) 23 أغسطس، ذكرى مولد نازك الملقبة ب«عاشقة الليل» والمولودة في 1923 بمدينة بغداد لأسرة مثقفة، رشفت مذاق الشعر من صدر أمها الشاعرة سلمى عبدالرزاق المعروفة ب«أم نزار الملائكة»، وتدثرت بروائع أبيها صادق الملائكة صاحب المؤلفات الإبداعية، كموسوعة «دائرة معارف الناس» ذات العشرين مجلدًا. وتحمل في جسدها جينات جدتها لأمها الشاعرة هداية كبة ابنة العلامة والشاعر محمد حسن كبة، وخالاها الشاعران جميل وعبدالصاحب الملائكة، وخال أمها الشيخ محمد مهدي كبة شاعر وله ترجمة رباعيات الخيام نظمًا. فيما يظل اقتران اسمها بالثائرة السورية نازك العابد، قائدة الثوار السوريين في مواجهة الاحتلال الفرنسي في نفس العام الذي ولدت فيه، سببا وجيها لثورتها على كل قديم حتى في كتابتها للشعر. أطلقت الملائكة أول دواوينها «عاشقة الليل» في 1947، لتدشن بذلك حقبة جديدة لتجربة شعرية مختلفة، ومدرسة وليدة في الشعرية العربية، سار على هداها الشعراء العرب، قبل أن تكتب قصيدة الكوليرا في العام ذاته بطريقة الشعر الحر. ثم أصدرت أعمالا عدة، منها «شظايا الرماد» في 1949، و«الصلاة والثورة» في 1978. كما ولجت مجال النقد الأدبي في كتاب «قضايا الشعر الحديث» في 1962، و«سايكولوجية الشعر» في 1992، وبالتالي زاوجت بين الشعر والنقد، من خلال بعدها الأكاديمي في النقد وروحها الأدبية بالوراثة. ولم تتوقف عند هذا الحد، إذ طرقت عالم القصص، بمجموعة قصصية سجلت حضورًا في هذا الأدب الإبداعي باسم «الشمس التي وراء القمة» في 1997.