ما زال الشعب الفلسطيني يتطلع نحو الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي، راجيا منها تحمل مسؤولية إنصافه من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكينه، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في أرضه، والذى يتمثل - بصفة رئيسة - في أحد وضعين: إما «حل الدولتين»، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدسالشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وإما إقامة دولة ديمقراطية واحدة... يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات. أما الحلول «الترقيعية» فلن تكون حلولا. ولا يجب أن تشكل المستوطنات الإسرائيلية عقبة مقصودة، لأن هذه المستوطنات غير مشروعة أصلا. وتظل الأنظار متجهة إلى أمريكا ودول الغرب المتنفذ الأخرى، التي لديها مفاتيح حل هذه المأساة... والتي ربما تدرك الآن أن إسراعها في وضع حل ينهي هذه المأساة لن يكون لاعتبارات إنسانية وخيرية وحسب، بل وللإسهام في استتباب الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وبما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الغرب، وكل العالم. وكما هو معروف، فإن أمريكا تلعب الدور الرئيس في هذه القضية/ المأساة... بسبب كونها الدولة العظمى الأولى حاليا، والداعم الأكبر للكيان الصهيوني. بل إن العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية تجاوزت الدعم والتأييد إلى التحالف الفعلي الوثيق. وهذا الدعم الأمريكي المطلق والأعمى وضع إسرائيل فوق كل القوانين والأعراف الدولية، وأطلق يدها... لتعمل ما تشاء، دون حسيب أو رقيب يحاسبها، ويعاقبها. *** ومعروف أن الرؤساء الأمريكيين السابقين، بدءا من ويليام كلينتون، ثم جورج بوش الابن، فأوباما، كانوا يعلنون أنهم مع حل الدولتين، وادعوا أنهم عمدوا حكوماتهم بالعمل على إنفاذ هذا الحل. ولكن هذا كان مجرد ادعاء. اذ لم يبذل أي رئيس أمريكي، حتى الآن، جهدا جادا لحل هذا الصراع حلا عادلا، أو شبه عادل، ولم يمارس أي منهم ضغوطا حقيقية على إسرائيل للقبول بهذا الحل، المطلوب فلسطينيا وعربيا وإسلاميا وعالميا. أما الرئيس «دونالد ترمب»، والذى اتضح أنه داعم بشدة للصهيونية، فيبدو أنه على استعداد للخروج على هذا الحل. ويتجلى ذلك في تصريحه الذى قال فيه: «أنظر إلى حل الدولتين، وحل الدولة الواحدة. وأميل إلى ما يميل إليه الطرفان. أنا سعيد للغاية بالحل الذى يميل إليه الطرفان». كما يتجلى في تعيين صهره اليهودي كوشنر، مستشارا رئيسا للسياسة الأمريكية تجاه فلسطين. وقد لمح ترمب، بالفعل، إلى «حلول» أخرى (تفضلها إسرائيل بالطبع) سنتطرق لأحدها أدناه. ومعروف أن ترمب انتقد عدم استخدام أوباما لحق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، وأكد عدم إصراره على حل الدولتين، إرضاء لإسرائيل، ودعما لها. وبعد ذلك، تراجع قليلا عن موقفه هذا. ومن مؤشرات ذلك: تريث ترمب في تنفيذ وعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وانفتاحه الحذر على الفلسطينيين. إضافة إلى طلب ترمب من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو «أن يكبح قليلا بناء المستوطنات». وهذا الطلب فاجأ الأخير أثناء زيارته لواشنطن (في فبراير 2017). أضف إلى ذلك، قيام ترمب (يوم 10/ 3/ 2017م) بعمل أول اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودعوته لزيارة البيت الأبيض. ورحب الجانب الفلسطيني كثيرا بهذه المبادرة. وقام عباس بالفعل بزيارة واشنطن واللقاء بترمب يوم 3/ 5/ 2017م. وقد تمسك الجانب الفلسطيني بعملية السلام، وحل الدولتين على حدود 1967م، استنادا إلى مبادرة السلام العربية، والقرارات الأممية ذات الصلة. وأكد رفضه للهجمة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ورفض كل ما قد يترتب على هذا الاستيطان. *** وكل ذلك ما زال يشير إلى تحول طفيف في سياسة ترمب نحو هذه القضية، ورغبة في وضع نهاية لها. وحتى الآن، يصعب الجزم بأن ترمب سيتدخل في العملية السياسية الخاصة بتسوية هذا الصراع بشيء من الحيادية والموضوعية. ويخشى أن يحاول ترمب فرض حل... غير حل الدولتين، وغير حل الدولة الواحدة، ويميل إلى ما تريده إسرائيل من حلول غير مقبولة، ومنها ما يعرف بخطة الجنرال الإسرائيلي «جيورا إيلاند»، التي يقترح فيها توطين الفلسطينيين في شمال سيناء، عبر توسيع مساحة غزة، بالاستقطاع من الأراضي المصرية، مقابل حصول مصر على أراض بديلة في صحراء النقب التي تسيطر إسرائيل عليها. لتصبح مساحة غزة حوالى 2000كم2، تقام عليها دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتبقى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية تحت إدارة ذاتية فلسطينية، مقابل تنازل الفلسطينيين عن مطالبهم بدولة مستقلة على حدود 67م...؟! لا أعتقد أن الفلسطينيين، قيادة وشعبا، يقبلون بهذا الحل الإسرائيلي، أو أي حل مشابه، لا يحقق لهم الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة.. حتى لو حاول ترمب تسويقه. ولا أظن أن الأمة العربية تقبل ب«حل» لا يكبح جماح إسرائيل، ويوقف حلمها الصهيوني المسعور.