من اللافت للانتباه هرولة إيران وتركيا نحو قطر فور بدء مقاطعتها وإعلانهما التضامن معها ومساعدتها بتوفير ما تيسر من لوازم المعيشة لشعبها مع أنها مساعدة مذلة فإيران ذكّرت قطر منذ البداية بضرورة حفظ الجميل ورده حتى لو تحسنت علاقتها مع دول المقاطعة، وتركيا رفضت الدفع المؤجل وضغطت على قطر لدفع ملايين الدولارات يوميا. نقول إن إيران وتركيا هرولتا نحو قطر في مشهد قد يظنه البعض غريبا ومفاجئا رغم أنه ليس كذلك أبدا، فلقد جمعت بين الدول الثلاث المرحلة التأريخية الهامة التي بدأ فيها تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد تحت مسمى الربيع العربي. كان لا بد لهذا المشروع من أذرعة تنفيذية إقليمية تساعد على إنجاحه، ولم يكن هناك أنسب من إيران الخمينية وتركيا الأردوغانية للقيام بهذا الدور لوجود مشتركات مهمة تجمعهما، فكلاهما - الأيديولوجيا الثورية الخمينية والأيديولوجيا الثورية الإخوانية - تشتركان في أمميتهما التي لا تعترف بمفهوم الدولة الوطنية، ولا بشرعية الحكام لأنه لا ولاء ولا شرعية إلا للمرشد والخليفة في جانب وآية الله العظمى في جانب آخر، كما تشتركان في الشهية العارمة للسيطرة على الشعوب وإتقان العمل العصاباتي الميليشياوي وتكتيكات المناورة والمؤامرة والخداع والمكر، وإذا أضفنا إلى كل ذلك حقداً تأريخياً دفينا يحلم بإحياء الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية وبسطها على الدول العربية فإننا نجد النموذجين المثاليين للمشاركة في تنفيذ مخطط تفتيت الدول العربية وإعادة صياغتها كشراذم متهالكة. هنا تجد قطر ضالتها أيضا إذ لا يشترك معها في الطموح الواهم والأحلام التوسعية ولعب أدوار كبرى سوى هذين النموذجين، وبدورهم يكون واضعو المخطط الشرق أوسطي الجديد قد وجدوا في قطر ذراعاً تنفيذية ثالثة تمتلك المال والاستعداد التآمري لضرب من حولها، وليصبح هذا الثالوث القطريالإيراني التركي الراعي الإقليمي لمؤامرة إشعال الحرائق في الدول العربية. كان المخطط يروم تفتيت الكل لكن دول الخليج العربي بفضل الله ثم بفضل وعي قياداتها وشعوبها صمدت أمام الرياح العاتية، بيد أن المؤامرة لم تتوقف واستمرت المحاولات بوسائل وأشكال وأساليب مختلفة في سعي حثيث لإحداث ثغرة في جدار الصمود الخليجي، تكفلت بها قطر للأسف الشديد رغم أنها جزء من نسيج الخليج. وجاءت الأزمة الأخيرة مع قطر لتشكل فرصة ذهبية جديدة لإحياء دور الثالوث المشؤوم في استكمال مهمته باستهداف الدول الخليجية والمملكة على وجه الخصوص، وبذريعة الحصار الزائفة هرولت قطر نحو الضلعين المكملين لها واللذين كانا أسرع في الهرولة إليها، وفتحت قطر بوابتها لوجود إيراني عملي في دولة خليجية للمرة الأولى ظلت إيران تحلم به طويلا ولم يتحقق لها إلا بخيانة قطر، وكذلك كان الوجود التركي السريع بقاعدة عسكرية وأجناد وعتاد. إذا أخذنا الأزمة القطرية بشكلها المباشر فهي مماحكات وتحرشات ومؤامرات قطرية ضد أشقائها الخليجيين، أما إذا وضعناها في إطار أوسع فبالإمكان جداً اعتبارها إحياء الجزء الثاني من مخطط الفوضى الذي يستهدف دول الخليج بالذات لكنه فشل في المرة السابقة، وها هي أضلاعه تكتمل في قطر وعلى مرمى حجر من الدول المستهدفة. لذلك لا يجب أبداً السماح باستمرار الوجود الإيراني والتركي الاستفزازي المشبوه في الدولة المضيفة العميلة قطر التي تشبه من يحمل حزاماً ناسفاً يريد تفجيره في من حوله لكنه يعتقد أنه سينجو. اللعبة أكبر وأخطر على ما يبدو ولا بد من نزع فتيلها بوضع قطر في حجمها الحقيقي وطرد بقية المتآمرين من أرضها.