طالت الحرب التي قادتها العراق ومعها التحالف الدولي لاستعادة الموصل عما هو متوقع لها، فإذا كانت داعش قد احتاجت بضع ساعات كي تحتل الموصل، فإن العراق ودول التحالف احتاجت عشرات الشهور بين استعداد وتخطيط وقتال كي تستعيد الموصل أو تقترب من استعادتها، غير أن الكارثة التي حلت بالعراق ليست في احتلال داعش للموصل بقدر ما هي اضطرار العراق أن يحيل الموصل إلى خرابة كي يستعيدها، حتى كأنما كانت عملية استعادة الموصل أشبه ما تكون بعملية تحرير رهائن تنتهي بمقتل الخاطفين والمخطوفين جميعهم، وإذا جاز أن يكون الخراب الذي حل بالموصل إنما هو نتيجة استماتة مقاتلي داعش في الدفاع عن الوهم الذي جعلهم يتخذون من الموصل عاصمة لخلافتهم الموهومة وافتقار الجيش العراقي للخبرة التي تجعله قادرا على استرداد ثاني أكبر وأعرق مدينة في العراق دون تدمير مساكنها ومعالمها على النحو الذي شكل صدمة عالمية تزداد اتساعا كلما ازدادت معالم الخراب وضوحا، إذا كان ذلك الاحتمال جائزا فإن احتمالا آخر يمكن له أن يفسر ذلك الخراب، فالحرب ضد داعش لم تكن حربا خالصة للتخلص من جماعة إرهابية، كما لم تكن معركة وطنية نزيهة تماما لاسترداد سيادة الدولة العراقية على جزء من أراضيها، وذلك يعود إلى سببين: أولهما الدور الذي لعبته إيران في هذه الحرب، سواء بالمشاركة الفعلية أو بالتخطيط عبر مستشاريها الذين كانوا يقفون على الجبهة مع الجنود العراقيين، وثانيهما مشاركة الحشد الشعبي في هذه المعركة، وإذا لم يكن يخفى الحقد الإيراني القديم على العراق، وخاصة على الجانب السني منه، فإن مشاركة الحشد الشعبي جعلت الحرب على الإرهاب تتحول إلى حرب طائفية قادتها الميليشيات الشيعية ضد السنة في العراق، ولم يكن لإيران كما لم يكن لميليشيات الحشد الشعبي أن يخوضا حربا ذكية تحافظ على الموصل من الدمار، فالموصل لم تكن بالنسبة لإيران إلا مدينة في دولة أجنبية ظلت عقودا من الزمن يربطها العداء بها، كما أن الموصل لم تكن بالنسبة للميليشيات الشيعية إلا مدينة يتمركز فيها السنة ولا ضير في هدمها على رؤوس من فيها، سواء كانوا من تنظيم داعش أو من سكانها الأصليين، لذلك كله أصبح تحرير الموصل حدثا لا يقل سوءا وخطرا عن احتلالها.