كم هو صعب أن تكتب عن أبيك، عمن كان سر وجودك في هذه الحياة، عمن علمك معنى العطاء بلا حدود، وبلا انتظار لمقابل.. عمن أنار لك الطريق وأبعد الأشواك عن دربك لتمضي في حياتك دون أي معاناة. نعم هكذا هو حالي وأنا أحاول أن أكتب عن أبي الشيخ خالد بن زابن المرزوقي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في يوم مبارك، وشهر دونه كل الشهور، إذ انتقل من الدنيا الفانية إلى دار الخلود تحفه رحمة الله سبحانه وتعالى يوم الإثنين السابع عشر من رمضان الماضي (1438). مضى أبي إلى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا عليه إن شاء الله لقاء ما قدم في حياته لدينه ووطنه ومليكه وأهله وعشيرته، بل للناس كافة، وبصفة خاصة للباحثين عن بلسم لجراحاتهم. فقد كان والدي منذ صغره شغوفا بالطب متطلعا إلى دراسته والتخصص فيه، ولكن الظروف لم تساعده على تحقيق هذا الحلم، فاختار طريقا لا يبعد عنه كثيرا، وذلك من خلال الاستثمار في المجال الطبي، حيث افتتح مراكز طبية وصيدليات في كل من جدة والطائف من أجل أن يظل في دائرة الطب، وكان الجانب الإنساني لديه مقدما على الربح المادي، فلم يقصده صاحب حاجة وتأخر عنه، كانت توجيهاته بأن لا يخرج أحد من أي مرفق طبي تابع له دون علاج أو دواء حتى لو لم يكن يملك ثمنه. ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل سعى عبر سنوات طويلة لتشييد مستشفى متفرد في مدينة جدة، وبالفعل اشترى الأرض وحصل على الترخيص وشيد المبنى كاملا من سبعة طوابق، وبدأ مرحلة التأثيث، إلا أن القدر لم يمهله لرؤية حلمه يتحقق على أرض الواقع، إذ أصيب في كبده ليبدأ رحلة البحث عن العلاج في عدة عواصم عالمية، ولكن كان ما أراده الله سبحانه وتعالى، إذ لبى نداء ربه قبل أن يشهد تحقيق حلمه الكبير. وبحمد الله كانت فترة مرضه ومن بعدها وفاته وتشييع جثمانه دلالة واضحة على ما حباه الله به من محبة كبيرة في قلب كل من يعرفه ولو في لقاء عابر. وتكشفت لنا بعد وفاته أنه كان يخص أسرا فقيرة برعايته، وبإذن الله سنمضي على ذات الطريق في بذل الخير والعطاء لكل الناس والمحتاجين منهم بصفة خاصة. نعم كان أبي يرحمه الله أنموذجا في تعامله مع الجميع صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، كان بسيطا جدا في تفاصيل حياته، لا يعرف قلبه سوى الحب والخير والعطاء والوفاء لكل الناس نعم كل الناس، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته.