تبدو القيادة القطرية كمن يلعب على حبلين؛ فهي تشجع الجهات التي تبذل مساعي حميدة لإطفاء حريق أزمتها مع الدول الخليجية والعربية التي قررت مقاطعتها؛ وفي الوقت نفسه تدفع بعض وزرائها لإظهار التحدي للإرادة الخليجية والعربية، والتلويح بورقة الاعتماد على إيران وتركيا لتوفير بدائل للواردات التي توقفت من جراء المقاطعة. صحيح أن المقاطعة لن يقتصر ضررها على قطر وحدها، لكنها الخيار الوحيد الذي ما كان بيد السعودية وحلفائها خيار سواه لردع قطر عن ممارساتها ضد المملكة ودول الخليج والعالم العربي. بل هو كما يقال آخر العلاج، وهو الكي. وما كانت السعودية وحلفاؤها يتصورون أن يأتي يوم يضطرون فيه إلى مقاطعة دولة شقيقة. لكن ممارسات القيادة القطرية، ولا نقول الشعب القطري، أعيت الحكماء والمداوين. فقد تحولت الدوحة مقرا لتنظيم الإخوان بشقيه الدولي والمصري. كما أضحت مقرا لحركة طالبان الأفغانية، وحماس الفلسطينية، المنبثقة من إخوان مصر. وأضحت مركزا لتصدير الدعم لثورات فوضى الربيع العربي في تونس، ومصر، وليبيا، وسورية. وعلى رغم تمتع قطر بعضوية مجلس التعاون الخليجي، وتوقيعها على معاهداته الأمنية والدفاعية، فهي تنام في حضن إيران التي تطمح ليس لابتلاع الدوحة وحدها، بل الهيمنة على السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، بعدما قضمت فعليا العراق وسورية من الجسد العربي الإسلامي. وهي سياسات أقل ما توصف به عدم القبول، بل الشجب والرفض والاستنكار، فما معنى أن تكون شقيقا وأنت تغرس السكين في قلب شقيقك حتى النصل؟ وما فات على قطر هذه المرة أن شروط التسوية واضحة ولا محيد عنها: تنفيذ التزامات اتفاق العام 2014، الذي أنهى أزمة سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، قبل أي بحث في إنهاء أزمة قطع العلاقات. وعلى قطر أن تفهم أن قرارات العام 2017 ليست عقوبات، وليست تشفِّيا، بل هي حق شرعي للدفاع عن النفس ضد خطر وجودي حقيقي وليس متوهما.