رأينا قبل أيام صورا محزنة لشيخ عجوز حبسه أبناؤه في حجرة وربطوه بالسلاسل. وهذه ليست الصورة الأولى من نوعها فبين كل حين وحين نقرأ عن رجل أو امرأة في خريف العمر يعانون من الإهمال أو تخلي الأبناء أو الأقارب. فبين رجل تركه ذووه في قارعة الطريق يعاني من الضياع والضعف والجوع والحيرة، وامرأة لا تجد من يرعاها وتنتهي في رباط مع مثيلاتها ممن طعنهن الزمان في كرامتهن وكبريائهن. وكبار بالسن يعيشون مع عوائلهم ولكنهم مهمشون ومهملون. أناس حفر الزمان على أرواحهم أخاديد عميقة من التجارب والألم. يعانون الوحدة وهي من أصعب الأمور على النفس البشرية التي جبلت على الوجود الاجتماعي والتفاعلي. ويعاني بعضهم حتى من الجوع ونقص الأدوية ورقة الحالة الاقتصادية. قرأت ذات مرة قصة حقيقية عن امرأة محسنة زارت الرباط الخيري ذات مرة في رمضان فوجدت امرأة مسنة تعاني من الزهايمر كما يبدو فقد كانت واقفة تنتظر السمبوسك الذي ستأتي به ابنتها. وقيل للمرأة المحسنة إن هذا دأب المرأة المسنة كل يوم من أيام رمضان. فهي تظل واقفة تقريبا طوال اليوم بجانب الباب لتنتظر السمبوسك الذي لا تأتي به ابنتها أبدا. أشفقت عليها المحسنة حينما رأتها فأصبحت تأتي لها بطبق سمبوسك وتقول لها إنه من ابنتها ويوميا تخترع لها حجة عن عدم حضور ابنتها لانشغالها وهكذا. إنه شيء مؤلم أن نرى من طعنوا في السن ومن طحنتهم ضروس الحياة ومن قدموا الكثير لعوائلهن وللمجتمع - أمهات وآباء - أو أخوال أو خالات أو أعمام أو عمات - أو حتى أفراد مقطوعين من شجرة - يعانون من الوحدة أو الفقر والإهمال أو التعنيف - عوامل مدمرة تضاف إلى الشيخوخة والضعف والمرض وفقدان الأتراب من المسنين أمثالهم. نحن الآن في عهد صحوة حقيقية - حولنا أصوات صحوية تنادي بالتغيير والتطوير، ولدينا رؤية مستقبلية مهندسة جيدا ل2030 - وفيها يلعب رغد المواطن والترفيه عناصر مهمة. وفي كل مؤسسة تعليمية محترمة وكل بيت يربي أبناءه على القيم الأصيلة والإنسانية يلعب دور خدمة المجتمع دورا كبيرا. أتمنى أن نضاعف التفكير في هذه الفئة الصامتة ونعيد لها كرامتها ونحفظ حقوقها ونجعل لها ليس مرجعا فقط عند المصاعب بل هيئة: تتقصى الأخبار وتحصر الأعداد وتساعد بالموارد هذه الفئة الصامتة، التي تتعذب وحيدة خرساء مقهورة، بلا بصيص نور لأمل بالتغيير، وحبذا (ويتوجب في الحقيقة) أن يساهم المجتمع بأفراده بمختلف أعمارهم وخلفياتهم بهذه الخدمة التي تعتبر واجبا اجتماعيا. دعونا نعمل سويا لخلق مجتمع راق، كما نادت به جميع الأديان السماوية وكما تحب الفطرة البشرية السوية. فلنحطم هذه السلاسل التي تكبل المسنين ونطلق لهم العنان للعيش بحرية وكرامة وثقة وصحة، في الأيام القليلة الباقية لهم في دنيانا هذه.