قمتُ أخيرا بالسفر إلى الرياض عصرا ثم العودة إلى جدة في نفس الليلة ولكن في توقيت متأخر؛ أما السبب فهو حضوري لقاءً (نوعياً) مهماً؛ دعا إليه واستضافه عضو الشوري المخضرم المهندس أسامة كردي الذي أمضى ثلاث دورات في المجلس. وكان مما أضفى قيمة كبيرة على اللِّقاء، حضور نخبة من الشخصيات؛ كان منهم عدد من أصحاب المعالي، وبعض كبار رجال الأعمال إضافة لأعضاء شوريين ومفكرين وإعلاميين ومثقفين. معالي نائب رئيس مجلس الشورى الدكتور محمد الجفري الذي كان ضيف شرف تلك المناسبة، لم يتأخر في الرد على تساؤلات الحضور بقدر عالٍ من الشفافية والمسؤولية، بعد أن استمع بهدوء ملحوظ وسعة صدر يُغبط عليهما، لبعض الملاحظات والانتقادات الموجّهة للمجلس، كما وحرص على إعطاء إجابات تفصيلية عن آليات عمل المجلس وبعض مبادراته الأخيرة المتميزة؛ ولم يفته التطرّق لأسباب الانطباع غير الدقيق عن المجلس. ويمكنني القول إن الّلقاء اتسم بالانفتاح والعفوية، وكان لافتا تثمين المدعويين للدور المتعاظم الذي يقوم به المجلس، خصوصاً في الآونة الأخيرة، وتقديرهم بشكل خاص لحرص الحكومة على تعزيز دوره (الرقابي) بعد تمكينه من مناقشة تقارير بعض الأجهزة السيادية مثل وزارات؛ الداخلية، الدفاع، والحرس الوطني، إلّا أن ذلك لم يمنع بعض الحضور من الدعوة لتطوير أداء المجلس، ليتمكن من مواكبة المتغيرات المتسارعة على الساحة المحلية. والأكيد هو أن تطوير أداء مجلس الشورى من شأنه نقله لمرحلة أكثر تقدما؛ تنسجم مع أمرين هما: 1. تقدير الملك سلمان -يحفظه الله- لما يقدمه المجلس من آراء سديدة، وتطلُّعه لاستمرار المجلس في ذلك بكل جديّة وفاعلية. 2. مضاعفة الاستفادة من الكفاءات الشورية المتميزة، والتقليل من هدر بعض طاقاتها؛ بتأخير المشاريع والتوصيات التي يتقدمون بها. وأعتقد أن هناك تحديين رئيسيين يواجهان المجلس هما زيادة صلاحياته، وتطوير آلياته الداخلية، إذ إن تحقيقهما سينعكس إيجابا على رفع كفاءة المجلس، وسيؤدي (تلقائياً) لتصحيح صورته الانطباعية المشوّشة؛ الناجمة عن عوامل عديدة؛ يتقدمها عدم امتلاك المجلس (أحياناً) للمرونة اللازمة للتحرُّك بالسرعة والفاعلية المطلوبتين، ورفضه بعض مشاريع الأنظمة التي تؤثر على معيشة المواطنين؛ أو تأخُّره في إقرارها أو تعديلها لأسباب قد تبدو غير موضوعية للبعض، إلّا أن ذلك سيتطلب أن يكف المجلس أولاً عن ممارسة دور (الوصي) على بعض توصيات الأعضاء أو مطالب المواطنين. على ضوء ما تقدم فإنني على ثقة تامّة بأن تصحيح صورة المجلس تتوقف عليه، وأن هناك طريقاً قصيراً ولكنه فعّال لتصويب الانطباع المغلوط عنه، ذلك الطريق لن يتطلّب حملات دعائية ولا ميزانية تسويق وإنما يحتاج فقط لزيادة اقتراب المجلس من المواطنين، وسرعة تجاوبه مع مطالبهم المُلِحّة؛ يتقدمها مطلب إعادة النظر في المادة 77 من نظام العمل، مع التعجيل في استحداث أو تعديل الأنظمة المُهمة التي تم تجميدها أو عرقلتها في دهاليز المجلس، على الرغم من اجتياز بعضها لمرحلة (الملاءمة)، إلا أنها ظلت تنتظر دورها منذ فترة طويلة للعرض (تحت القبَّة) ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1. تعديل نظام الأحوال المدنية. 2. تعديل نظام وثائق السفر للنساء. 3. تعديل نظام تجنيس أبناء المواطنات المتزوجات بغير سعوديين. 4. إتاحة الفرصة لعرض المشروع الجديد لمكافحة التمييز وبث الكراهية بدلاً عن مشروع نظام الوحدة الوطنية (الذي تم إسقاطه). 5. تقديم توصية جديدة لقيادة المرأة للسيارة كملاحظة على تقرير وزارة الداخلية المعروض على المجلس. 6. مناقشة مشروع مدونة الأحوال الشخصية والتصويت على ملاءمته بعد أن أنهته لجنة حقوق الإنسان قبل أن تتدخل لجنة الشؤون الإسلامية لمراجعته ولم يرَ النور حتى الآن!. وقد يكون من المهم مبادرة المجلس الموقر لزيادة تفعيل المادة 23 المُعدّلة وفقاً لما يلي: أ) - تحديد فترة زمنية لمناقشة المشاريع المُقدّمة من الأعضاء وفقاً للمادة 23، وذلك أسوة بفترة ال3 أشهر التي يستغرقها المجلس للرد على تقارير الأجهزة الحكومية. ب) - التأكيد على عدم تدخل مستشاري المجلس في مضمون المشاريع المقدمة من الأعضاء، وحصر عملهم بإبداء الرأي في الجوانب الفنية والشكلية لتلك التوصيات. ج)- تفعيل «مقولة» إن (المجلس سيِّد قراره) من خلال توجيه اللجان بعدم تعطيل دراسة المقترحات والتوصيات؛ بزعم أن الجهات التنفيذية تدرس أنظمة مشابهة!. د)- تغيير قاعدة (الأسبقية) في عرض ومناقشة الموضوعات لتصبح وفقاً ل(أولويتها) وأهميتها بالنسبة للوطن والمواطنين. كما سيساعد على تحسين صورة المجلس قيامه بما يلي: 1)- صياغة ونشر رؤيته ورسالته ومُهِمّته، و(تفعيل) إستراتيجيته الاتصالية؛ بعد إعادة رسمها، وتطوير (رسائله المؤسسية). 2)- دراسة إنشاء المجلس قناة تلفزيونية خاصة به، تتولى بث بعض مداولاته وأخباره مع عقد لقاءات مع أعضاء المجلس ولجانه المتخصصة. 3)- تفعيل تواجده على تويتر من خلال جعله باتجاهين بدلا من الاكتفاء بالتغريد فقط بدون تفاعل مع المغرين. ختاماً، من المهم التأكيد على جزئية هامة هي ضرورة تخلّي المجلس عن اعتبار توصيات أعضائه، جهوداً فردية لأنها في نهاية المطاف هي إنجازات للمجلس وليست أمجاداً شخصية لهذا العضو أو ذاك.