ما زال المتغير الخارجي هو العامل المؤثر في الأزمة السورية. وأخطر ما يمثله المتغير الخارجي، هنا، هو بعده السياسي. يوم الأربعاء الماضي أجهض «فيتو» روسي صيني قراراً من مجلس الأمن لإدانة نظام بشار الأسد استعماله الأسلحة الكيميائية. هذا «الفيتو» المزدوج لروسياوالصين، لا يعكس فقط تأثير المتغير الدولي في الأزمة السورية، بل الملفت أيضاً، أنه يعكس خللا على المستوى الإقليمي في التعامل مع قضية الأمن القومي العربي. قد يبدو ذلك السلوك السلبي لروسيا في مجلس الأمن متسقاً مع موقف الكرملين منذ بداية الأزمة السورية من ست سنوات، رغم تكلفة ذلك السياسية والأخلاقية والمادية على موارد وسمعة دولة عظمى، مثل روسيا. لكن الملفت هنا أكثر هو موقف دولة عظمى أخرى عضو دائم في مجلس الأمن (الصين). بكين منذ استعادة مقعد الصين في مجلس الأمن منتصف سبعينات القرن الماضي من تايبيه، كانت تتصرف بحذر وحكمة مع مسؤوليتها الأممية الجديدة. كانت الصين، من يومها، تلتزم موقف الامتناع عن التصويت لأي قرار أممي يتناول قضايا العالم التقليدية، خاصة في المناطق الساخنة مثل الشرق الأوسط. وكانت بكين تُقْصِر استخدامها لحق «الفيتو» في مجلس الأمن عند مناقشة قضايا لها علاقة مباشرة بمجالها الحيوي الوثيق الصلة بأمنها القومي، في منطقة جنوب شرق آسيا، بصورة خاصة. إلا أن الصين، في ما يتعلق بمعالجة الأزمة السورية في مجلس الأمن نراها تتخلى عن حذرها التقليدي، وربما حكمتها السياسية! كان بإمكان الصين أن تستمر في سلوكها السلبي (الإيجابي) وتمتنع عن التصويت، وتلعب دور الراكب المجاني، طالما أنها ستستفيد من «الفيتو» الروسي، دون ما حاجة لإحراج موقفها سياسياً وأخلاقياً باستخدامها حق «الفيتو»، هي الأخرى. هذا الموقف الصيني، ليس بجديد، فقد تكرر من قبل، إنه يعكس توجهاً صينياً جديداً في المنطقة والعالم يعلن عن دخول الصين لحلبة الصراع الأممية بين الدول العظمى على مكانة الهيمنة الكونية، لتضفي وضعية ثلاثية الأبعاد للنظام الدولي الحالي، خارج الثنائية القطبية، التي كانت سائدة في عهد الحرب الباردة... عندها كانت بكين، رغم خلافها الأيديولوجي والإستراتيجي مع موسكو آنذاك، إستراتيجياً محسوبة على المعسكر الاشتراكي الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي.. تماماً: كما كانت بريطانيا وفرنسا محسوبتين إستراتيجياً على المعسكر الرأسمالي الغربي، بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية. الصين، بمثل هذا السلوك غير التقليدي في مجلس الأمن تريد أن تبعث رسالة للجميع، ليس فقط لمنافسيها وخصومها الدوليين مثل الولاياتالمتحدةوروسيا، بأن لها اهتمامات ومصالح إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار عند أي ترتيبات جديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة، أو إحداث تغييرات جذرية عليها. هذه الرسالة موجهة بالتوازي للنظام السوري وقوى المعارضة السورية، وكذا الأطراف الإقليمية المؤثرة على الساحة السورية. إقليمياً: من الخطأ تجاهل هذه الرسالة الصينية، والتعامل معها خارج ما يوحي به عنوانها. في المحصلة النهائية هذا «الفيتو» الصيني لا يختلف كثيراً عن «الفيتو» الروسي ويمثل انتكاسة أخرى للموقف العربي الداعم للشعب السوري. على العرب ألا يتجاهلوا الطرف الصيني في الصراع الدائر في سورية ويحاولوا الاقتراب أكثر من بكين، على الأقل لإحداث بعض التوازن على حركة الصراع في الساحة السورية بين اللامبالاة الأمريكية والتطرف العنيف للسلوك الروسي. إجهاض قرار مجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي لا يكشف فقط عن موقف دولي غير مواتٍ لجهود استقرار المنطقة، بل يكشف أيضاً عن تعقيد في الموقف الإقليمي ليس في صالح الشعب السوري ولا العرب ويساهم في زيادة التوتر في منطقة هي غير مستقرة، أصلاً. التصويت في مجلس الأمن يوم الأربعاء الماضي، خارج «الفيتو» المزدوج لروسياوالصين، يكشف عن خلل إستراتيجي في النظام العربي، واختراق سياسي إقليمي لخصوم العرب الإقليميين، وخاصة إيران. مصر تواصل دورها السلبي في التعاطي العربي مع الأزمة السورية، لتكشف عن «عورة» العرب السياسية، إقليمياً ودولياً! إثيوبيا تمتنع هي الأخرى عن التصويت، وكأنها تلوح لنهاية النفوذ العربي في أفريقيا! ليس الشعب السوري هو الذي يخوض حرباً مصيرية على أرضه... العرب جميعهم أمنهم القومي على المحك.. ويتوقف على نتيجة هذه الحرب.