نشرت «عكاظ» مطلع شهر فبراير الجاري تحقيقاً استقصائياً قمت بإعداده حول ما يسمى بال«Dark Web» أو الشبكة المظلمة، وهي طبقة «خفية» من شبكة الإنترنت لا يراها المستخدم العادي للشبكة العنكبوتية، وتعد سوقاً سوداء للممنوعات وعوالم الجريمة والإرهاب، إذ إن شبكة الإنترنت التي يستخدمها على الأرجح عامة الناس يومياً مثل تصفح المواقع الإلكترونية المتاحة عبر محرك «قوقل» وما نشاهده من مقاطع ملتميديا على موقع اليوتيوب ومراسلات البريد الإلكتروني عبر الهوتميل وياهو وGmail والمواقع الإخبارية والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع التي نرتادها يومياً لا تشكل سوى ما يعادل قرابة 4% من إجمالي شبكة الإنترنت، وتصنف بأنها «الطبقة السطحية» للإنترنت، بينما ال96% المتبقية تسمى ب«الطبقة العميقة» (Deep Web)، وهذه الشبكة الضخمة هي عبارة عن مجموعة هائلة من المواقع غير المفهرسة التي لا يمكن الوصول إليها عبر محركات البحث التقليدية مثل قوقل، ولا يمكن الدخول إليها عبر المتصفحات التقليدية مثل «إكسبلورر» وغيرها من المتصفحات، ولها مسميات وامتدادات تختلف تماماً عن عناوين الويب المعتادة، وهذه الطبقة العميقة تتخللها «الشبكة المظلمة»، وهي شبكة معتمة يصعب الوصول إلى مواقعها إلا من خلال متصفح مخصص لذلك وعبر دعوات خاصة وإجراءات مشبوهة للوصول إلى محتوياتها التي تعج بالممنوعات ومخاطر لا طائل لها. وبالرغم أن التحقيق المنشور في «عكاظ» والذي استغرق إعداده قرابة الأشهر الثلاثة، استوفى كامل التفاصيل والمعلومات العامة حول ما يدور في «الشبكة المظلمة» التي تعج بمواقع ترويج المخدرات وبيع الأسلحة وتجارة الأعضاء البشرية والتواصل الخفي بين العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية وحركة غسيل الأموال ومواقع «الهاكرز» وكل ما يثير الاشمئزاز من مواد إباحية مقززة تدار من خلال ذلك العالم الخفي، إلا أن هناك جزءا هاما جداً لم استطع طرحه خلال التحقيق، ألا وهو دور الجهات الرسمية في مراقبة الدخول على هذه الشبكة المظلمة، خاصة أن أدوات الدخول لهذه الشبكة الخطيرة متاحة للجميع حتى يومنا هذا. وحقيقة، تحدثت في هذا الشأن مع متحدث هيئة الاتصالات الدكتور فايز الحبيل خلال فترة إعداد التحقيق، ووجهت إليه عدة أسئلة حول ما إذا كانت هناك رقابة على الدخول لمواقع الشبكة المظلمة ولماذا لم يتم حجب المتصفحات التي تقود للدخول في هذه الشبكة، وما إذا كان لدى الهيئة أي إحصاءات ومعلومات وتقارير حول ما يتم في تلك الشبكة من ممارسات غير مشروعة، ولكن على مدار قرابة الشهرين من التواصل لم تصل أي إجابات، بالرغم أن المتحدث وعد وحدد لأكثر من مرة موعدا نهائياً لإرسال الإجابات، وأوضح أنه تم التواصل مع الأشخاص المعنيين في الهيئة للإجابة على هذه التساؤلات، ولكن الأرجح أنه لم تكن هناك أي إجابة. عموما، بعد 3 أشهر من البحث في هذا الشأن، فإنني أعتقد، ولست جازماً، بأن 4 فئات من السعوديين تدخل على القبو الرقمي المخيف (Dark Web)، أولهم المراهقون الذين يدخلون إليها إما لتحميل ألعاب الفيديو المنتشرة التي يتم اختراق ملكيتها الفكرية بشكل غير نظامي وعرضها مجاناً أو بمبالغ زهيدة لا تضاهي ثمنها الأصلي، أو لتحميل ملفات وشفرات ال «JailBreak» وهي برامج وشفرات تفك القيود الإلكترونية وتتيح للمستخدم أن يقوم بتنزيل تطبيقات الهواتف الذكية والبرامج مجانا دون الحاجة للمتاجر والبرامج والألعاب، بالإضافة إلى شريحة أخرى من المهتمين ببرمجة الشبكات وأنظمة التشغيل وتعلم آليات اختراق المواقع وحسابات التواصل وتحميل برمجياتها، أما الفئة الثالثة، فهي تلك التي ينتابها الفضول لتصفح المواقع الممنوعة المتاحة في الشبكة المظلمة والعميقة بشكل عام، أما الفئة الأخيرة وهي الأخطر، هم من يقومون بالتواصل عبر تلك الطبقة الخفية والمشفرة في الشبكة المظلمة لأغراض مشبوهة، مثل التنسيق لعمليات تهريب المخدرات أو إجراءات تحويلات مالية غير نظامية عبر العملة الافتراضية ال«بيتكوين» التي يصعب معرفة هوية الأطراف التي تتداولها، وشراء هذه العملة منتشر في الفضاء الافتراضي، بل هناك بنوك ومحلات صرافة في بعض الدول العربية تسمح بتداولها. والهدف من هذا الطرح هو التوعية بما يدور في هذه الشبكة المظلمة باعتبار أن الدخول إليها أصبح «ظاهرة» منتشرة بين المراهقين، وضرورة التفات الجهات المعنية لحجب المتصفحات والمواقع التي تساهم في الوصول إليها، والدور الأكبر على أولياء الأمور في متابعة أبنائهم في ظل ضعف الرقابة التقنية عليها محلياً ودولياً.