لم يأت بالمشاكل من فراغ، ولم تصنع شخصيته السادية والنرجسية الظروف لوحدها، فالجينات الوراثية للشيبة الراحل فعلت فعلها، وأكسبته كلاحة غير معهودة، «كان الأب أقشر، وما مات إلا بعد ما حط في كل بيت ناعية»، لم تتخذ القرية من الابن موقفاً سلبياً، كثيراً ما ردد العريفة «يا جماعة الخير مثل ما قال المقوّل: خشمك منك وإن كان أعوج، ولا تنسون أنه متزوج بنت أختي، وهي يتيمة ما لها إلا آنا، والعارف ما يعرّف، ودي أوقف معكم موقفا يجملني من الله وخلقه، ولكن يا خشمي، يا عيني». اقترح «الموامين» دعوته لمجلس العريفة. استجاب بتثاقل، دون أن يعلم أنهم مرتبون له جلسة مناصحة، حضر ومشعابه فوق كتفه، سمع منهم دون مبالاة، كان الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى، وهو «حاط رجل على رجل، وسيجارة أبو بس في شدقه، ويبحلق عيونه في الحاضرين، قال أحد الموامين بوجل: استح يا ولد، ما أنت شايفنا في عينك شيء، أقعد سواة الرجاجيل وتكلم معنا. كان متكئاً فجلس، وقال «وش تقولون في أبي»، بعضهم قال في سره (الله يرحم الحصى)، وآخرون قالوا «الله واليها»، قال «والله لاخليكم تترحمون عليه»، وأردف «وعليّ الطلاق إن زدتم دعيتموني لمثل هذا المجلس يا هذا المشعاب ليشرب من دميّكم»، علّق أحدهم: يا سبعة يا سكون، ما معكم فايدة في هذا الأقشر. هيا قوموا، التفت إليه لفتة قشرا، فسبقه إلى الدرجة تحاشياً لما قد يصدر عنه من شر. كانت حمارته مدرّبة وحافظة خط سيره اليومي، ما أن يركب ويدلدل أرجوله، حتى تنطلق به من بين المزارع والبيوت ومجاري الأودية، ولا تتوقف إلا عند باب الشرطة، اتفقت القرية أن تقحمه في سافلة صخرية مظلمة، تبنوا إعداد وجبة عشاء وإقامة حفلة لعب، حفروا في العالية حفرة، وغطوها بحنبل، تواصوا أن يكون في طرف الصف، وأوكلوا مهمة إطفاء القازة لأحدهم، وأجمعوا على أن يتحرك صف اللعب بهدوء حتى يقع في الحفرة، سقط فتباشروا وولعوا القازة فإذا به قائم بينهم والعريفة يون ون من السفل، علمي وسلامتكم.