«الدين هم بالليل ومذلة في النهار» وكثيراً ما تتسبب في المعاناة الأسرية ما يؤدي إلى الفشل الذريع والدمار الشامل والتفكك لهذه الأسر. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَومٍ المَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ جَالِساً فِيهِ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَاليِ أَرَاكَ جَالِساً في المَسْجِدِ في غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْني وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلا أُعُلِّمُكَ كَلاماً إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ، فَقَالَ بَلى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ. قَالَ: فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْني». وعن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ «كُنَّا جُلُوسًا بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّمَاءِ فَنَظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نَزَلَ مِنْ التَّشْدِيدِ قَالَ فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا فَلَمْ نَرَهَا خَيْرًا حَتَّى أَصْبَحْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ قَالَ فِي الدَّيْنِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ»، رواه أحمد والنسائي. فلا ينكر أحد أننا في هذا الجيل الذي نعيش فيه قد دوختنا ثقافة الديون والأقساط.. لا نخرج من دين أو قسط إلا لندخل في غيره بما يمثله ذلك من أعباء على مداخيل الطبقة الوسطى حتى لتكاد تنحدر إلى طبقة الفقراء، وتكاد لا تستطيع الوفاء بالتزامات ضرورية مثل أجرة السائق أو راتب الشغالة أو إيجار البيت. والأدهى من ذلك التنصل.. وعدم الوفاء بالديون.. مما نتج عنه قلة الأمانة.. وذلك أدى إلى عدم الثقة حتى بمن كان أمينا. ومن يتنصل عن أداء دينه بسبب عجزه له حق البر حسبما استطاعته كما قال تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظِرة إلى ميسرة}، لكن الأقوياء من الدائنين قادرون على استيفاء حقوقهم مباشرة من دخل المدين بقوة السلطة، فالبنوك مثلا تستطيع إلزام المدين بدفع الأقساط التي عليه بتهديده بالسجن، وبإبلاغ مؤسسة النقد وإبلاغ بقية البنوك عنه، والبنوك تتضامن فيما بينها لتحصيل حقوقها. أما الاقتراض من أشخاص عاديين فإن ذلك أيضا قد انتشر واستشرى، وبعد ذلك يتوارى المدين، وقد يبقى الدين في ذمته عشرات السنين دون أن يرف له جفن، وإلا فإنه لو كان أميناً لخصص كل شهر مبلغ 5% من الدين أو حتى 2%.. ورده شيئا فشيئا حتى يبرأ من دينه. إن حقوق الناس لا يجوز العدوان عليها بالكذب والاحتيال أو المكر أو التسويف والمماطلة.. فهناك من يقترض لأمور أو حاجات ليست في موضع الضرورة وإنما للمتعة والتزين والتشهي وما أكثر القصص في هذا المجال. السطر الأخير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ».