يعتبر الطيران في السعودية من أهم القطاعات التي تلامس احتياج المواطنين، وعلى مختلف الفئات، ممثلاً في الطيران المدني والخطوط السعودية وشركات الطيران الأخرى، ولهذا يتطلب الامر أن تكون الخدمات المقدمة بالمستوى المطلوب وترقى إلى المنافسة الدولية. وفي مقالي هذا سأتطرق إلى ثلاثة عوامل أثرت سلباً على صناعة الطيران في المملكة، الأول يخص الطيران المدني ممثلاً في وضع المطارات، والثاني يخص الخطوط السعودية ممثلاً بأعطال الطائرات والمشاكل التشغيلية، والثالث الخبراء والمستشارين والقياديين الأجانب، وهذا مشترك بينهما كون هذين القطاعين تحت مظلة وزير النقل رئيس الطيران المدني المكلف ورئيس مجلس إدارة الخطوط السعودية. وتفصيلاً كالآتي: أولاً: المطارات: وهذه مع الأسف العائق الرئيسي لتقديم الخدمات سواء للركاب، أو شركات الطيران أو الخطوط السعودية، وتظهر بصورة أكبر في المطارات الرئيسية نظراً لكثافة التشغيل ومستخدمي تلك المطارات، فذلك لا يتوازى مع إمكانيات المطارات الحالية المتواضعة، والسؤال ما هو الجديد الذي تم لتحسين تلك المطارات؟ ما يحدث الآن امتداد لتخطيط سابق ويتطلب سرعة التنفيذ، ومع الأسف لم تتم على الوجه المطلوب، وكمثال لذلك لا يزال مطار الملك عبدالعزيز حتى الآن تحت التنفيذ ولا توجد معلومة دقيقة عن انتهاء هذا المشروع الذي تجاوز ضعف المدة المقررة له، أيضاً مطار الملك خالد الدولي فقد تم تنفيذ الصالة رقم خمسة، ولكن حتى الآن لم تكتمل وما زالت هناك سلبيات تشغيلية ولم يتم تجاوزها وانعكاسها السلبي المباشر على الراكب وخاصة منطقة تجميع العفش، والتي بالرغم من وجود نظام آلي متقدم إلا أنهُ حتى الآن يتم فرز العفش والتحميل والتنزيل بطريقة بدائية من خلال تكثيف العمالة في الموقع، ما يتسبب في تأخير عفش الراكب في المغادرة أو الوصول وبالتالي يتم تحميل الخدمات الأرضية مسؤولية ذلك. هذان مثالان مهمان لما هو حاصل الآن، مع ملاحظة بطء التنفيذ لتلك المشاريع، إضافة إلى ضعف المشاريع الأخرى بالمطارات الداخلية وأخص بذلك المطارات الإقليمية، نظراً لزيادة الحركة التشغيلية الدولية من قبل شركات الطيران الأخرى. مع الأسف ما نقرأه للمسؤولين بشأن تحسين المطارات إنما هو مجرد تصريحات فقط، وأخص بذلك التصريح بإنشاء صالة بمطار الملك خالد بالرياض تتسع ل35 مليون مسافر في العام، بينما حتى الآن لا يوجد أي تحسن يذكر في الصالات الحالية (1، 2، 3، 4) إلى غير ذلك من المشاريع التي لا يعرف متى سوف يبدأ العمل بها، ومتى تنتهي، ما يؤكد استمرارية الوضع الحالي ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة لحل تلك المشاكل. ما دور الإدارة العليا في الطيران المدني لمواكبة العصر؟ كنا نأمل أن نرى تقدما ملحوظا في هذا المجال عند استلام الإدارة الحالية، خصوصا عندما تحولت إلى شركة المطارات، ما يساعد على سرعة اتخاذ الإجراء والتنفيذ وتلافي أي عقبات إدارية او مالية. وصل الحال في مطار الملك خالد الدولي إلى الاستعانة بشركات أجنبية لإنشاء أسواق في مساحة لا تتجاوز 1020 مترا لكل من الصالتين 1، 2! ألا توجد لدينا الكفاءات والخبرات السعودية لتحسين وضع المطارات؟ هل القياديون الحاليون الذين جرى تعيينهم من خارج القطاع غير ملمين بعمل المطارات؟ الوضع الحالي في مرافق المطارات لا يوحي بأن هناك تقدما سريعا في الأفق، عليه يجب أن يعاد النظر، لما يحدث في مطارات المملكة. تعتبر بلادنا أكبر سوق لشركات الطيران في المنطقة وهناك شركات طيران خارجية قائمة على سوق المملكة ومن الممكن زيادة فرصها التسويقية فيما لو تحسنت المطارات وبالتالي المردود الاقتصادي على تلك المطارات. وعليه يتوجب على الطيران المدني الإيضاح عن أي مشاريع حالية تمت وانعكست إيجابياتها على المواطن مباشرة، آخذين بالاعتبار أن إعادة الهيكلة أو تغيير الشعار أو إعفاء مسؤولين أو غير ذلك من الأمور الإدارية التنظيمية لا تهم المواطن بشيء وما صاحب ذلك من الإعلان عنها في وسائل الإعلام ليس لهُ أي مردود خدمي على المواطن. نريد خدمة عالمية راقية يفخر بها الجميع أمام الآخرين، فالوضع الحالي لمطاراتنا مخجل أمام المطارات الدولية، نريد أن نرى ما يسمى بمدينة المطار (CITY AIRPORT) خاصةً في المطارات الرئيسية. ومن المؤكد أن سوء مرافق المطارات انعكس سلباً على شركات الطيران ويحصل امتداد للضرر لركاب هذه الشركات وبالتالي تلام شركات الطيران على هذه الخدمات. تحول المطارات إلى شركة يجب أن تظهر إيجابيته سريعاً لأن المطارات هي الواجهة الحقيقية للبلد، من خلال انعكاس خدماتها على المسافرين. وأخيراً فإن الوضع الحالي يتطلب الأخذ بالمعايير الحقيقية للمطارات والعمل بموجبها من خلال تكافؤ الخدمات مع التشغيل. ثانياً: كثرة أعطال طائرات الخطوط السعودية لا شك أن أعطال الطائرات يحصل في جميع شركات الطيران وبصفة مستمرة ولكن بنسب متفاوتة لكل شركة طيران من خلال أعداد الركاب المتضررين، إلا أن ما هو حاصل في الخطوط السعودية يمثل أعطال الطائرات الغالبية العظمى من إجمالي التأخيرات الحاصلة في السعودية، ما يعني تضرر نسبة كبيرة من الركاب مع الأخذ بالاعتبار امتداد الضرر على الراكب وعلى الخطوط نفسها، ومع الأسف فإن أعطال الطائرات أصبحت سمة تلازم الخطوط السعودية. وللإيضاح، عند إعلان نسبة الأداء التشغيلي الشهري للمؤسسة لا يؤخذ بالاعتبار تلك الرحلات التي ألغيت بسبب عطل فني أو غيره مع حصول الضرر للركاب بمعنى أن نسبة الأداء التشغيلي الحالية لا تعكس حقيقة الأداء التشغيلي. وسوف أوضح نوعين من الأعطال المتكرر حصولها: أولاً: العطل الذي يحصل بعد وصول الراكب للمطار ولا يتم إشعار الراكب بذلك وهذا مع الأسف هو الغالب، وبالرغم من وجود نظام لمثل هذه الحالات إلا أن كثرة التأخيرات وضعف الإمكانيات والبدائل لا تمكن المعنيين بالخطوط من تقديم هذه الخدمة على الوجه المطلوب مع العلم أن التعويض لا يعني قبول الراكب هذا التأخير. ثانياً: العطل للطائرة الذي يحصل قبل وصول الراكب للمطار ويتمثل في الآتي: أ/ عطل يتم بموجبه تغيير موعد إقلاع الرحلة ويشعر الراكب بالموعد الجديد والمأخذ في بعض الحالات لا يتم الالتزام بهذا الموعد وإنما تتأخر الرحلة لمدة أكثر. ب/ عطل يتم بموجبه تغيير نوع الطائرة وربما الوقت ما يتسبب بإنزال درجة ركاب الدرجة الأولى والأفق إلى درجة الضيافة، ما يتسبب في حدوث أوضاع غير مريحة للركاب. إضافة الى ما ذكر فإن هناك الكثير من الطائرات التي تحتاج إلى صيانة داخلية في قمرة الركاب وبالأخص المقاعد وأجهزة الترفيه والطاولات إلى غير ذلك مما يستخدمه الركاب داخل الطائرة. هاتان الحالتان السابق ذكرهما هما الأغلب حدوثاً في التشغيل، ويبقى السؤال لماذا تتكرر هذه المشاكل؟ هل هناك مشاكل إدارية أو مالية؟ ماذا عمل الخبراء الأجانب الذين تمت الاستعانة بهم في قسم الصيانة؟ لماذا لا نثق في منسوبينا في قيادة هذا الصرح؟ لماذا وصلت «السعودية» إلى هذه الحال؟ مع الأسف أصبح التأخير سمه ملازمة للخطوط السعودية، نحن لا تهمنا الاحتفالات لشراء الطائرات أو فتح خطوط جديدة طالما أن الوضع الحالي مأساوي، نريد خدمة راقية تتزامن مع مغادرة الرحلات في مواعيدها وهذا دور الإدارة العليا في الخطوط السعودية. ثالثاً: الخبراء والمستشارون والقياديون الأجانب من السلبيات التي حصلت في قطاع الطيران الاستعانة بالخبراء والمستشارين والقياديين الأجانب في هذا القطاع ممثلاً بالطيران المدني، والخطوط السعودية لديها من الخبرات والكفاءات السعودية الشيء الكثير، خصوصا إذا ما علمنا أن العمر الزمني لهذا القطاع قد تجاوز 70 عاماً، إضافة إلى أن هناك تجارب سابقة للاستعانة بالخبراء والمستشارين الأجانب وفشلت خاصة في قطاع الطيران المدني حيث عملت شركتان استشاريتان في المطارات الرئيسية (جدة، الرياض، الدمام) ولمدة ست سنوات ولم تحصل أي إيجابية وكان الأجدر الأخذ بها لأن الوضع الحالي للمطارات لا يحتاج لمستشارين وإنما يحتاج إلى تعديل تام في مرافق المطارات. مما يندى لهُ الجبين أن هناك حالات تقاعد سواءً نظامي أو مبكر من قياديين سعوديين وتم تعيين أجانب أو ما يسمى بمستشارين وخبراء مكانهم، مع ملاحظة أن من تم تعيينهم من السعوديين من خارج القطاع لم يكن لهُ التأثير الإيجابي. هل ذلك بسبب نقص الخبرة في قطاع الطيران؟ مع الأسف الشديد لقد اطلعت على السيرة الذاتية لبعض هؤلاء الخبراء والمستشارين ومن واقع ما يعلن عنهم فلم تكن ترقى إلى هذه المستويات العليا من الإدارة. السؤال الموجه إلى الإدارة العليا سواء في الطيران المدني أو الخطوط السعودية ماذا استفاد المواطن من هؤلاء؟ وماهو مردودهم على قطاع الطيران؟ وماذا عن هذه المبالغ الضخمة من رواتب وبدل سكن ومكافآت؟ أين الاكفاء في قطاع الطيران من السعوديين، لازال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ضعيف خاصةً في المستويات العليا، ماهو حاصل سوف يتسبب في إحباط لمنسوبي هذين القطاعين وينعكس سلباً على إنتاجيتهم. وختاماً فإن صناعة الطيران في المملكة تعتبر متأخرة دولياً إذا ما قورنت بصناعة الطيران الدولي، ما يحدث يحتاج إلى حل جذري من الإدارة العليا من خلال تحسين المطارات بالنسبة للطيران المدني وتحسين مستوى الأداء التشغيلي الفني من قبل الخطوط السعودية، إضافة إلى العامل المشترك بين القطاعين وهو الاستعانة بخبراء ومستشارين وقياديين أجانب، رغم وجود كفاءات سعودية فاعلة مما ينذر بحدوث إحباط لموظفي هذين القطاعين، وكمثال لذلك فإن من المفارقات في الخطوط السعودية تأخر ترقيات الموظفين وخاصةً اللائحيين التشغليين بسبب وضع أنظمة أشبه ما تكون تعجيزية لترقياتهم التدريجية، مع العلم أن فرق الدرجة مالياً لمستحقي تلك الدرجات مجتمعين لا يقارن مالياً مع ما يحصل من عقود برواتب عالية مع المستشارين والخبراء والقياديين الأجانب. لا شك أن على المسؤولين في الإدارة العليا الأخذ بتوجيهات ولاة الأمر بما يحفظ حقوق الموظفين في جميع قطاعات الدولة بما في ذلك قطاع الطيران وإنفاذ توجهات الدولة لرؤية 2030 التي من مضامينها الأساسية العمل على رفاهية المواطن من خلال تقديم أفضل الخدمات، وكذلك الرفع من مستوى أداء الموظفين في جميع القطاعات وذلك من خلال الحوافز المالية والمعنوية في هذين القطاعين وهما جزء من منظومة متكاملة وضعتها الدولة حفظها الله لإتمام مسيرة البناء، كما يجب على الإدارة العليا الحرص على إسعاد منسوبيها (وهذا من صميم عملهم) لأنهم من سيقود هذا القطاع للأفضل وهم الباقون في خدمة وطنهم.