العقرب، حشرة سامة، تلدغ على غفلة ولدغتها قد تقتل في بعض الأحيان، ولأن العرب قبل أن يتحضروا كانوا بدوا يسكنون الصحراء التي تؤي العقارب، فإن ثقافتهم تمتلئ بذكر العقرب، أشاروا إليها في شعرهم وأمثالهم وحكاياتهم، وضربوا بها المثل في قدرة الضعيف على إيذاء القوي، فالعقرب على صغرها قد تفتك بالأفعى الضخمة، (ولا تحتقر كيد الضعيف فربما،، تموت الأفاعي من سموم العقارب)، ووصفوا بها من يكرهون فقالوا: (مثل العقرب، يضر ولا ينفع) و(أعدى من العقرب)، وشاع بين العامة تشبيه عداوة الأقارب بلدغ العقارب فقالوا (عداوة الأقارب زي لسع العقارب). واستعار الناس اسم العقرب لإطلاقه على أحد الأبراج السماوية، وأعطوا المولودين فيه بعض صفات العقرب، فمولود العقرب يتميز بدهاء وفيه غموض وخبث، فهو يؤمن بقول: (ومن لم يكن عقربا يُتقى،، مشت بين أثوابه العقرب). وكما استعار الناس اسم العقرب لبرج السماء، استعاروه أيضا لأذرع الساعة، فسموها (عقارب)، ربما لأن الساعة تحسب دقائق الزمن وثوانيه التي تمر بالناس سريعا فتلدغهم بمرورها الخاطف، تخطف منهم الشباب والأحلام وأجمل الأوقات، فإذا بهم وجها لوجه مع الشيخوخة والضعف وانتظار النهاية الباهتة. من أطرف ما ذكر عن العقرب ما رواه الجاحظ في كتابه الحيوان في وصف العقرب، حيث يقول: «نجد العقرب تلدغ إنسانا فيموت، وتلدغ آخر فتموت هي! فدل ذلك على أنها كما تعطي تأخذ، وأن للناس سموما عجيبة». على ذمة الجاحظ فإن العقرب تموت أحيانا بعد أن تلدغ إنسانا، وأن الناس هم أيضا يختزنون سما قاتلا كسم العقرب!! لا أدري مدى صحة ما ذكره الجاحظ عن موت العقرب إثر لدغها بعض الناس، إلا أن ما أدريه، هو أن هناك أناسا إن لم يشبهوا العقرب في خزن السم، أشبهوها في الخصال، وكما أن العقرب تتخفى وتتختل لتلدغ على غفلة، فإن هناك من البشر من يفعل مثل ذلك، بعض الناس من فصيلة العقارب البشرية، يتخفون وراء ستار يحجب حقيقتهم، حتى إذا اطمأنت الفريسة لهم فاجأوها فلدغوها من الوراء. ومع ذلك، كما أن الطب القديم يؤكد أن سم لدغة العقرب يعالج بعض الأمراض ويقوي الجسم ويعطيه مناعة، فإن سم لدغة عقارب البشر له المفعول نفسه، فلا تبتئس إن لدغت من أحد، فالمثل الشهير يقول: (الضربة التي لا تقتلك، تزيدك قوة).