وليد ابو مرشد لم تَعُد قيادة المرأة للسيارة مجرَّد قضيَّةً يتناولها البعض بشيء من الفرديَّة المُمتزجة بالصلف والتشدُّد، بل إنَّ هناك من يرى أنَّها باتت قضيَّةً تستأثر بجزء كبير من اهتمام المجتمع بأكمله، وضرورةً مُلحة فرضها الواقع الحالي الذي أصبح فيه العديد من أفراد المجتمع ينظرون للمرأة بنظرة واعية ومغايرة عن تلك النظرة القاصرة؛ فالقضية إذن "قضية مجتمع" تغيَّرت أفكاره ووجهات نظره نحو المرأة التي تسنَّمت في الفترة الأخيرة العديد من المناصب الهامة، وأصبحت شريكاً حقيقياً في التنمية. ويُعدُّ قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، قراراً اجتماعياً ليس له علاقة بتدخُّل الجهات الرسميَّة لإقراره، حيث أكَّد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله- في حديث سابق أنَّ القرار قرار اجتماعي، وأنَّ دور الدولة هو توفير المناخ لأيّ قرار يراه المجتمع مناسباً، وبما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها التي قامت عليها الدولة. وتطرح العديد من النساء تساؤلاً مفاده: أما آن لامرأة بهذا المستوى العلمي والفكري أن تهجر المقعد الخلفي للسيّارة، الذي ظلت مُخلصةً له سنوات عديدة، خاصَّة أنَّه لا يوجد نص ديني أو مانع شرعي يحول بينها وبين الامساك بمقود سيارتها، في ظل التزامها بحجابها الشرعي والتزامها التام بالذوق العام فيما يتعلَّق بمظهرها الخارجي؟. ولعل ما يدعم هذا التوجُّه النسائي هو ذلك الخطاب الذي تمَّ رفعه من قبل لجنة حقوق الإنسان والعرائض بمجلس الشورى -في وقت سابق- إلى رئيس المجلس للمطالبة بمناقشة السماح للمرأة بقيادة السيارة وفق الضوابط الشرعية والوطنية، والتعليمات المُقترحة في هذا الخصوص. وبعيداً عن فكرة الرفض والقبول، فإنَّ هناك تساؤلاً -وهو الجديد في طرح هذا الموضوع- مفاده: ماذا تقترح على مسودة قرار السماح للمرأة بقياد السيارة؟، وقد جاءت الآراء متنوعة، وخرجنا بالحصيلة التالية: معاقبة المتهورين في البداية رأى "م. هتان سعيد" ضرورة إيجاد قرارات صارمة وعقوبات رادعة بحق أولئك الشباب الذين يلاحقون المرأة عند قيادتها لسيارتها، مُضيفاً أنَّ تجربة قيادة المرأة للسيارة ستكشف العديد من الأمور السلبيَّة والايجابيَّة التي من الممكن أن تدعم ذلك، داعياً إلى إيجاد الحلول المُناسبة لمعالجة جوانب الخلل -إن وُجدت-، عبر دراسات ميدانيَّة واقعيَّة، مُشيراً إلى أنَّ ذلك سيمنح هذه التجربة بُعداً أكبر في سبيل تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظار النساء لتحقيقه على أرض الواقع. حجاب شرعي وبيَّن "سلطان الحيدري" -مساعد رئيس العمليات بميناء جدة الإسلامي- أنَّه من الأهمية بمكان ضرورة الإفادة من تجربة الدول القريبة من مجتمعنا في هذا المجال، مُشدِّداً على ضرورة التزام النساء بالحجاب الشرعي أثناء القيادة، داعياً إلى افتتاح أكاديمية مهنيَّة لتعليم النساء قيادة السيَّارات، مُقترحاً تحديد مواعيد مُعينة لقيادة النساء يُراعى فيها أوقات الذروة، على أن تُمنع المرأة من قيادة سيارتها في الساعات المُتأخرة من الليل، إلاَّ إذا دعت الحاجة لذلك، مع الأخذ بالاعتبار طبيعة عملها، ومن ذلك أن تكون "طبيبة" تستدعي الضرورة خروجها إلى العمل في أوقات مختلفة. رخصة قيادة واقترح "أحمد الزهراني" إنشاء جهة مسؤولة عن ضبط أيَّ مخالفات تصدر من الجنسين، سواءً المرأة التي تقود السيَّارة، أو من يحاول مضايقتها من الرجال، داعياً إلى عدم تمكين المرأة من القيادة إلاَّ بعد تجاوزها سلسلةً من الاختبارات المروريَّة التي تؤهلها للحصول على رخصة قيادة، إلى جانب تحديد أوقات مُعيَّنة للقيادة، على أن تُحرَّر بحقها مُخالفةً مروريَّة في حال عدم التزامها بالقيادة في الأوقات المُحدَّدة سلفاً. وأيَّده في ذلك "إبراهيم الغانمي"، حيث أكَّد على ضرورة تثقيف المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، وذلك ببث رسائل ذات مضامين مختصرة وهادفة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب تزويدهم بنصائح تربوية، وذلك لتوضيح أهميَّة القيادة بالنسبة للمرأة، داعياً إلى إنشاء مدارس خاصة بالنساء لتعليمهن القيادة، مُشيراً إلى ضرورة تحديد سن مُعيَّن لقيادة المرأة للسيَّارة، على أن يتراوح بين (35) (55) سنة. سن القيادة وأشارت "أم راكان" -ربَّة منزل- إلى ضرورة أن يتم السماح للفتاة بقيادة السيارة ابتداءً من سن (25) عاماً، مُضيفةً أنَّ الفتاة في هذه المرحلة تبدأ في ممارسة مهامها الوظيفيَّة وتكون مسؤولةً عن نفسها بشكل تام، وبالتالي فهي بحاجة إلى وسيلة مواصلات تُمكنها من الذهاب إلى عملها والعودة منه، مُشدِّدةً على ضرورة التزام الفتاة بالحجاب الشرعي ومراعاة الذوق العام فيما يتعلَّق بمظهرها الخارجي؛ حتى لا تتعرَّض لمضايقات من المحيطين بها، لافتةً إلى أهميَّة تطبيق العقوبات الرادعة بحق من يحاول تجاوز حدود الأدب معها، وذلك من قبل جهاز المرور، الذي تقترح أن يكون من الرجال، مُوضحةً أنَّ استحداث وظائف نسائيَّة للعمل في المرور سيُعطِّل تنفيذ قرار قيادة المرأة للسيارة، مؤكِّدة على أنَّ تجاوب المجتمع وتأقلمه مع قيادة المرأة للسيَّارة يجب ألاَّ يتحوَّل إلى هاجس، بل إنَّه يجب أن يبدأ من داخل كل بيت تعيش فيه امرأة، ذاكرةً أنَّ المخاوف التي لدى البعض في هذا الجانب ستزول بمُجرَّد اعتيادهم رؤية المرأة وهي تبحث عن موقف لسيارتها، أو وهي تنتظر إضاءة الإشارة الخضراء لتُكمل طريقها عودتها إلى منزلها أو جهة عملها. الأجانب أولاً وقالت "إيمان بكر يونس" -إعلاميَّة، ومنتجة أفلام وثائقيَّة-:"يعدُّ خوف المجتمع وحرصه على المرأة من الأمور المحمودة، بيد أنَّ قيادة المرأة للسيَّارة يجب ألاَّ تتحوَّل إلى هاجس لديه، خاصَّةً أنَّ قيادة المرأة للسيارة أصبحت من الضروريات المُلحَّة، التي فرضها إيقاع الحياة المُتسارع"، مُضيفةً أنَّ قيادتها للسيارة ستجنبها دفع راتب السائق، وتجد نفسها مُضطرَّة لإسعاف أحد أبنائها أو زوجها عند تعرّضهم لعارضٍ صحِّي ما، مُقترحةً أن تبدأ الخطوة الأولى في هذا الجانب بالسماح للنساء غير السعوديَّات المُقيمات في المملكة بالقيادة إلى أن يعتاد أفراد المجتمع على رؤية المرأة تقود سيَّارتها على الطريق، لافتةً إلى أنَّ ذلك سيُهيئ الفرصة للإفادة من تجربتهن في التعامل مع بعض المواقف الطارئة التي يتعرَّضن لها في الطرقات، ومن ذلك وجود الأعطال في السيَّارة، أو الحوادث المروريَّة أو المُضايقات، وغيرها. وأضافت أنَّه من الضروري أن يتزامن إصدار القرار مع سن تشريعات وعقوبات رادعة بحق المُخالفين مِمَّن يثبت مُضايقتهم للنساء أثناء القيادة، وذلك بحسب ما تراه الجهات المعنيَّة، مُؤكِّدة على أنَّ العديد من الشباب لن يُعرضوا أنفسهم للعقاب؛ نتيجة الوعي الكبير الذي أصبحوا عليه، مُشيرةً إلى أنَّ العديد منهم يسافرون إلى الخارج كل عام ويرون بأعينهم معظم النساء في تلك البلدان وهُنَّ يقدن سياراتهنَّ بأنفسهن، ومع ذلك فإنَّه لم يصدر منهم أيَّ تصرف خارج حدود الأدب، مُقترحةً منح رخصة القيادة لمن بلغت سن ال (25) عاماً، إلى جانب منع القيادة بعد منتصف الليل إلاَّ للضرورة القصوى. تكون موظفة وأوضحت "عبير المسروج" -صيدلانيَّة- أنَّها تعاني بشكل يومي في سبيل الحصول على وسيلة نقل إلى جهة عملها، مُضيفةً أنَّ قيادة المرأة لسيَّارتها ستخلصها من ذلك الحرج، داعيةً إلى وضع بعض الاشتراطات التي من شأنها السماح للمرأة بالحصول على رخصة قيادة، ومنها أن تكون موظفة، وألاَّ تقود سيارتها بعيداً عن حدود مدينتها وعلى الطرق الطويلة، لافتةً إلى أنَّ فكرة إنشاء الشرطة النسائية قد لا يكتب لها النجاح؛ وذلك لأنَّ المخاوف من تعرُّض المرأة للمُعاكسات والمُضايقات من جانب بعض الشباب غير واقعيَّة بتاتاً، مُشيرةً إلى أنَّها عندما تقود سيارتها ستكون في أمانٍ تام، فالأبواب والنوافذ مُغلقة، كما أنَّها ستسير بها داخل حدود المدينة، وبالتالي فهي تعتقد أن لا أحد سيجرؤ على الاقتراب منها أو مُضايقتها. تدريجي في المناطق وأكَّد "م. علي بخيت" -موظف بالبريد السعودي- على أنَّ إصدار قرار قيادة المرأة للسيارة يجب أن يتم بشكل تدريجي، إلى جانب وضع بعض الضوابط المُنظِّمة، مُقترحاً أن يتم البدء بالسماح لمن لا تقل أعمارهن عن (25) عاماً بالقيادة، والسماح بالقيادة في المناطق الرئيسة من المملكة، مثل: جدة والرياض والشرقية، وذلك حتى يألف المجتمع ذلك قبل أن يتم السماح بالقيادة في بقيَّة المناطق، لافتاً إلى أنَّ وجود بعض المخالفات أو التجاوزات يعدُّ أمراً طبيعياً سيتم تلافيه مُستقبلاً، ذاكراً أنَّ هناك نظرةً قاصرةً لدى البعض نحو تعامل المرأة مع المواقف الطارئة، مثل: الأعطال والحوادث المروريَّة، رُغم أنَّ العديد من النساء حققن نجاحات في هذا الجانب، فكثيراً ما تتم مشاهدتها برفقة سائقها الخاص ترشده إلى الطريق، أو تعمل على تهدئته في حال تعرّضه لحادث سير، أو تتحدَّث مع رجل المرور إذا استدعت الضرورة ذلك. تجربة خاصة ورأت "نهى محمد الدخيل" -طالبة مُبتعثة- أنَّ إصدار قرار قيادة المرأة للسيَّارة بدون مُقدِّمات سيجعل منه أمراً حاسماً ومُلزماً للجميع، مُضيفةً أنَّ العديد من أفراد المجتمع سيعتادون مع مرور الوقت على رؤية المرأة وهي تقود سيَّارتها، أو وهي تبحث عن موقف لها في موقف للسيَّارات أمام أحد المُجمَّعات التجاريَّة، مُشدِّدةً على عدم منح المرأة رخصة قيادة حتى تجتاز جُملةً من الاختبارات العملية والنظريَّة، إلى جانب الإلمام بالقواعد والأنظمة المرورية، مُشيرةً إلى أنَّها تقود سيَّارتها الخاصة أثناء وجودها خارج المملكة لمدة تجاوزت خمسة أعوام، لافتةً إلى أنَّ ذلك أعانها بشكل كبير على تحمُّل العديد من الأعباء اليوميَّة، خاصةً أنَّ زوجها مبتعث معها للدراسة، مُبيِّنةً أنَّ تقاسمهما المهام خفَّف كثيراً من وطأة الأعباء عليهما.