بدو أنّ الحرب غير المعلنة، أو بالأحرى المقاومة التي لم تعلن عن اسمها صراحة، بين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والتيار السلفي في الجزائر، قد دخلت مرحلة الجديّة والتجسيد الميداني الفعلي، حيث أصدرت مؤخرا وصاية الوزير بوعبد الله غلام الله دفعة أولى من كتيّبات توزّع على المساجد مجانا، للرد على مسائل خلافية تُشكّل مناط التحفظات التي يبديها ممثلو التيار السلفي وأتباعه في الجزائر، على ما تسمّيه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف جزءا من "الإجماع الوطني" أو المرجعية الدينية الخاصة بالبلد. والتي ترى وصاية الوزير بوعبد الله غلام الله، أنّ الخروج عنها أو الطعن فيها، يُعدُّ طعنا أو خروجا عن الإجماع الوطني، الذي وجبت المحافظة عليه، لأنّ ذلك يدخل في إطار شق الصفوف، إن لم نقل زرعًا للفتنة بالركوب على صهوة مسائل خلافية وجب النقاش حولها، بدل جعلها بابًا من أبواب إفشاء الخصومات بين الجزائريين. وتُشكّل الدفعة الأولى من هذه الكتيبات التي أشرفت عليها مديرية التوجيه الديني والتعليم القرآني بالوزارة، وعددها ثلاثة كتيبات، وتحمل العناوين الآتية "حكم قراءة القرآن جماعة على طريقة الحزب الراتب" بقلم الدكتور محمد عيسى، "إعلام النخبة بسنيّة حمل العصا في الخطبة"، "مشروعية الدرس قبل صلاة الجمعة والرد على من زعم أنه بدعة"، وهذان الكتيّبان بقلم الأستاذ عبد الوهاب مهية، تُشكّل هذه الكتيّبات الثلاثة، الرد العملي مثلما سبقت الإشارة إليه، على هذه المسائل الخلافية الثلاثة، التي يرى التيار السلفي وأتباعه بعدم جوازها، وأنّ لا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا السلف الصالح عملوا بها. ولهذا استنفرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مجموعة من الأساتذة للرد على ذلك وإثبات العكس. ومن المنتظر أن تُتبع الدفعة الأولى من هذه الكتيّبات قريبا، بدفعات أخرى سيصل عددها 50 كتيّبا، أي بعدد المسائل الخلافية التي رأت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أنّها تفرّق بين ما تسمّيه الوزارة "المرجعية الدينية الوطنية"، وما تدعو إليه السلفية وأنصارها. ليس هذا وحسب، بل ستعمل الوزارة على طبع مطويّات كذلك تتناول الكثير من المسائل الدينية الفقهية على وجه الخصوص لتقريبها من المواطن. ولمعرفة رأي وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في هذا الموضوع، اتصلنا بعدة فلاحي المستشار الإعلامي لوزير الشؤون الدينية والأوقاف - قبل أن تُنهى مهامه أمس - فأجاب "هذه الكتيّبات تدخل في إطار الرد الذي يدحض الحُجة بالحُجة، وليس عنادا أو محاولة لفرض إرادة الوزارة على المواطنين دون دليل أو برهان شرعي من الكتاب والسنة. وتجاوز هذه الخلافات، لا بد أن يحظى بالأولوية لتحقيق المصلحة العامة ووحدة الجماعة، مادام الخلاف ليس في الأصول". لكن كيف ينظر الطرف الثاني إلى هذا الموضوع؟.. اتصلنا لمعرفة الإجابة بحمداش عبد الفتاح زيراوي، وهو أحد شيوخ السلفية في الجزائر، فأجاب "نحن نقول لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ألزموا رئاسة الجمهورية والأجهزة التنفيذية والقضائية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية بمرجعية الإمام مالك. كلّ هذا التهويل، هو من أجل الوقوف في وجه السلفيين. ولم تُتّخذ مثل هذه الخطوات من قبل، وجاءت بعد قبول الناس للسلفيين قبولا حسنا، وذلك نظرا لدعوتهم التي توافق الفطرة. نحن من الذين يحافظون على المرجعية الجزائرية، ولو طبّقوا مذهب الإمام مالك لأراحونا. نحن مع المرجعية الجزائرية، لكن يسعنا الخلاف في دائرة أهل السنة في المسائل الفقهية".