قاعة معتمة، وأغلفة مزخرفة امتلأت بها صالات لبيع الكتب، وأعداد هائلة من الكتَّاب العرب ازدادت أعدادهم في آخر عامين أو ثلاثة، مع تعاظم موجة الأعمال الأدبية التي لا تصل إلى الحد الأدنى من الجودة التي يتوقعها الوسط الثقافي، الأمر الذي لا يعني الكاتب الحالم بالشهرة، بل المراقب أو الناقد أو الكتاب ذوي الحس الأدبي القيم. الأعمال الأدبية أصبحت تكتب بالعامية، بلغة الرسائل الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو بالفصحى المتواضعة الممتلئة بالأخطاء اللغوية، لغات سوقية تفتقد شروط العمل الأدبي أو تكاد، بالرغم من أنها ليست ظاهرة جديدة كروايات عبير سابقاً، إلا أن القلق يبدأ عندما تنال مثل هذه الأعمال شعبية كبيرة، شعبية لم تنلها الأعمال الأدبية الرصينة. الأعمال الشعبية كفكرة عامة وفي أي مجال كالمجال الفني والأدبي وغيرها من المجالات، تندرج تحت التبسط وما هو مألوف، وتحريك العاطفة أو الشهوة إن أمكن، ومن ثم التسويق لهذا العمل كما لو أنه عمل محترم وراق. إن تلك الشعبية التي دخلت في عالمنا الأدبي تحول من صناعة احترافية إلى صناعة سلعية، بالضبط كشركة بيع الثياب والمجوهرات، مبلغ بسبط يكفي بالغرض لدفع تكاليف الغلاف والطباعة، ثم الإعلان عن كتاب يحتوي رواية حب غير بريئة بين شاب وفتاة في الحرم الجامعي! انتشار مثل هذه الأعمال الأدبية السوقية الركيكة، تجعل القارئ يبتذل وينزل من قدره، ومن مستوى ثقافته، لأن «الهبة» الآن تقول له اقرأني فأنا كاتب جيد. لطالما حلمنا أن يرتقي ذوق الناس ويقبلوا على الأعمال الأدبية الرفيعة، لكن ما يحدث هو أن الناس لا تقبل إلا على فرجة ما – مجموعة من القراء المراهقين مجتمعين حول كاتب وسيم – أو فرجة سوقية بكل ما تحمله الكلمة من انحدار. ثقافة «الهبة» تحكم مجتمعاتنا وتستعبد شعوبها، فالفرصة السائحة هنا هي أن نعمل على تقريب الأعمال الأعلى جودة إلى هذه الجماهير التي اعتادت قراءة الأعمال الركيكة، خاصة وأن هذه الفئة صغيرة السن في الغالب، لذا لا داعي للتشاؤم والغضب فالهدف الأول وهو زيادة عدد القراء قد نجح على الرغم من أنهم يتذوقون ما نراه لا يليق، لكن ثمة فرصة بأن تتطور أنماطهم القرائية واختياراتهم الذائقية إلى مستوى أعلى، وهذا لن يحدث من فراغ بالطبع، بل بالعمل الجاد من أصحاب الأعمال الأدبية الرفيعة.