نواصل الحديث حول أعلام قبيلة يام فمن أبرز هولاء الأعلام زبيد بن الحارث اليامي الحافظ العابد الثقة الثبت من رواة حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من طبقة التابعين، ورأى بعض الصحابة وأدركهم ومنهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم ([1]) ، وزبيد من رجال البخاري في صحيحه ([2]) الذي هو أصح كتب الحديث، ومن رجال مسلم في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد صحيح البخاري ([3])، ومرويات زبيد اليامي في أكثر الكتب الحديثية، وكتب العقيدة، وكتب التفسير،وكتب علم الرجال، وغيرها…إلخ. . فمن هو زبيد بن الحارث اليامي؟ . أورد ابن سعد ( ت 230ه) في كتابه الطبقات الكبرى نسبه كاملاً، فقال: زبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن جحدب بن ذهل بن مالك بن الحارث بن ذهل بن سلمة بن دؤل بن جشم بن يام من همدان ويكنى أبا عبد الله ([4]). أما شيوخه فقد روى عن إبراهيم بن سويد النخعي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحارب بن دثار، ومرة بن شراحيل الهمداني المعروف بالطيب وغيرهم ([5]). وأما تلاميذه فقد روى عنه جرير بن حازم، وسفيان الثوري، وسليمان الأعمش، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وابنه عبد الله بن زبيد اليامي، وابنه عبد الرحمن بن زبيد اليامي، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن طلحة بن مصرف اليامي، وغيرهم ([6]) . أما ثناء الأئمة والعلماء عليه. فقد أثنى عليه أئمة وعلماء الحديث وعلم الرجال ثناءً عطراً فقالوا: إنه حافظ وهذه مرتبة عالية لا ينالها إلا من تمكن من حفظ القرآن والسنة، وقالوا :زبيداً علماً من أعلام الإسلام ، وثقة وثبتاً وعابداُ وتقياً وورعاً، وهذه تزكيات وشهادات من علماء الحديث وعلم الرجال قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في كتابه سير أعلام النبلاء ج5/ص296، زبيد بن الحارث اليامي الكوفي الحافظ أحد الأعلام ..وما علمت له شيئاً- رواية- عن الصحابة وقد رآهم وعداده في صغار التابعين،.. وقال شعبة: ما رأيت رجلاً خيراً من زبيد .. وقال ابن شبرمة: كان زبيد يجزىء الليل ثلاثة أجزاء؛ جزءا عليه، وجزءا على ابنه، وجزءا على ابنه الآخر عبد الرحمن، فكان هو يصلي ثم يقول لأحدهما قم فإن تكاسل صلى جزءه، ثم يقول للآخر قم فإن تكاسل أيضا صلى جزءه، فيصلي الليل كله. قال نعيم بن ميسرة قال سعيد بن جبير: لو خيرت من ألقى الله تعالى في مسلاخه لاخترت زبيد اليامي. وروى عبد الله بن إدريس عن عقبة بن إسحاق قال: كان منصور بن المعتمر يأتي زبيد ابن الحارث فكان يذكر له أهل البيت ويعصر عينيه يريده على الخروج أيام زيد بن علي، فقال زبيد: ما أنا بخارج إلا مع نبي وما أنا بواجده. قال يحيى القطان زبيد ثبت، وقال أبو حاتم وغيره ثقة، وروى ليث عن مجاهد قال: أعجب أهل الكوفة إلي أربعة، فذكر منهم زبيداً. وقال إسماعيل بن حماد: كنت إذا رأيت زبيد بن الحارث مقبلاً من السوق رجف قلبي .. قال حصين بن عبد الرحمن أعطى أمير ( والي) زبيداً مئة درهم فلم يقبلها ، قال أبو نعيم الحافظ أدرك زبيد ابن عمر وأنس بن مالك . ([7]) وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: ج3/ص268: ((..وقال يعقوب بن سفيان: ثقة ثقة خيار إلا أنه كان يميل إلى التشيع، ..وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث وكان علوياً .. وقال ابن حبان في الثقات ([8]) : كان من العباد الخشن مع الفقه في الدين ولزوم الورع الشديد، وقال محمد بن طلحة بن مصرف: ما كان بالكوفة ابن أب وأخ أشد مجانباً من طلحة بن مصرف وزبيد اليامي كان طلحة عثمانياً وكان زبيد علوياً )) وقال الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ج3/ص97: (( زبيد اليامي من ثقات التابعين فيه تشيع يسير،..)) وجاء في المعرفة والتاريخ: ج3/ص178في وصف زبيد أنه كان يميل إلى التشيع . وجاء في كتاب صفة الصفوة: 3/ 99 ، عن محمد بن الحسين قال حدثني سليمان بن أيوب عن بعض أشياخه قال : (( قام زبيد اليامي ذات ليلة ليتهجد قال: فعمد إلى مطهرة له قد كان يتوضأ منها، فغمس يده في المطهرة فوجد الماء بارداً شديداً كاد يجمد من شدة برده، فذكر الزمهرير ويده في المطهرة فلم يخرجها منها حتى أصبح، فجاءت الجارية وهو على تلك الحال فقالت: ما شأنك يا سيدي، لم تصل الليلة كما كنت تصلي وأنت قاعد هاهنا على هذه الحال ؟ قال: ويحك أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد عليَّ برد الماء فذكرت به الزمهرير فو الله ما شعرت بشدة برد يدي حتى وقفت علي، فانظري لا تحدثي بها أحداً ما دمت حياً، قال فما علم بذلك أحد حتى مات. ونقل عنه أنه كان يقول:يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم )) ([9]) قال المنذر أبو عبد الله من أهل الكوفة قال لي محمد بن سوقة: لو رأيت طلحة وزبيداً لعلمت أن وجوههما قد أخلقها سهر الليل وطول القيام وكانا والله ممن لا يتوسد الفراش ([10]) وله كرامات، والكرامة هي: خوارق للعادات تشبه المعجزة يمنحها الله تعالى لعباده المؤمنين تكريماً لهم وقد تكون للابتلاء والامتحان ومن كرامات زبيد اليامي جاء في التعديل والتجريح: ج2/ص598: (( قال أبو بكر ثنا الوليد بن شجاع حدثني أبي عن عمران بن أبي زبيد اليامي قال زبيد: اللهم، ارزقني حج بيتك ، فحج ومات في انصرافه فدفن في النقرة[11].)) فاستجاب الله تعالى لدعوته وحقق أمنيته وهذه كرامة من الله تعالى.وأما الكرامة الأخرى فهي أعجب حيث هيئ الله له ماءً يتوضأ منه في أرض جدباء لا ماء فيها قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في كتابه سير أعلام النبلاء: ج5/ص296 : (( روى شجاع بن الوليد عن عمران بن عمرو قال كان عمي زبيد حاجاً فاحتاج إلى الوضوء، فقام فتنحى ثم قضى حاجته، ثم أقبل فإذا هو بماء في موضع لم يكن معهم ماء فتوضأ، ثم جاءهم ليعلمهم، فأتوا فلم يجدوا شيئاً )) ومن مروياته :- روى عن شيوخه أحاديث كثيرة عن رسول الله r ومنها حديث : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) ، وخطبة النبي r يوم النحر، وحديث (( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )) ، وحديث (( من الشجر شجرة تكون مثل المسلم وهي النخلة )) وحديث (( لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف )) وحديث: (( زينوا القرآن بأصواتكم)) وحديث (( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة)) وحديث المسح على الخفين وغيرها. - وفاته. قال أبو نعيم وابن أبي شيبة والواقدي توفي زبيد بن الحارث -رحمه الله- سنة 122ه ، وقال ابن نمير مات سنة 124 ه ([12]) – العلاقة بين طلحة وزبيد ( وقفة تأمل) . طلحة بن مصرف اليامي وزبيد بن الحارث اليامي هما من كبار أعلام قبيلة يام ومن التابعين ومن رجال الصحيحين وكانت العلاقة بينهما حميمة جداً مبنية على الإيمان والتقوى ومبنية على أواصر الأخوة الإيمانية وكثيراً ما يربط العلماء بينهما في تاريخ الوفاة فيقولون مات طلحة سنة كذا ومات زبيد سنة كذا ([13]) ، وهذا من شدة تآخيهم في الدنيا ، بل لما مات طلحة أوصى إلى زبيد. وجاء في كتاب معرفة الثقات: ج1/ص479: ((..حدثنا أبو مسلم حدثني أبي قال وكان طلحة بن مصرف وزبيد اليامي متواخيين وكان طلحة عثمانياً وكان زبيد علوياً وكان طلحة يحرم النبيذ وكان زبيد يشرب ومات طلحة فأوصى إلى زبيد)) وقد نقل الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج4/ص 169 أثراً عن محمد بن طلحة اليامي عن الأعمش قال أدركت أشياخنا زراً وأبا وائل فمنهم من عثمان أحب إليه من علي ومنهم من علي أحب إليه من عثمان وكانوا أشد شيئاً تحاباً وتواداً )). فيظهر أن الخلاف بينهما خلافاً يسيراً منحصر في مسألتين خلافيتين بين أهل العلم هما شرب النبيذ، والتفضيل بين علي وعثمان رضي الله عنهما ،فلم يكن خلافاً في أصول العقيدة لا يمكن الاجتماع والتآخي معه بأي حال من الأحوال . ويظهر أدب الخلاف بينهما كما هو ديدن الصحابة والتابعين، يختلفون في مسائل وكل منهم يحترم وجهة نظر الآخر، ولا يفترقون ولا يشنع كل منهم على الآخر ما دام أن الخلاف في دائرة ما يجوز الاختلاف فيه، وهو اختلاف سائغ لكل منهما أجر اجتهاده، والمصيب له أجران، فليتنا نقتدي بهما في هذا العصر الذي أصبح كل منا يشنع على الآخر بمجرد الاختلاف في الرأي في مسائل أقل من تلك المسائل ويترتب على ذلك الاختلاف بيننا الهجر والبراءة وقطع الأرحام نسأل الله تعالى أن يغفر لهما ويرحمهما ويرزقنا الاقتداء بالصالحين كما قال الشاعر : تشبه بالكرام إن لم تكن منهم …فإن التشبه بالكرام فلاح . [1])) سير أعلام النبلاء: ج5/ص296، وحلية الأولياء: ج5/ص33 وصفة الصفوة: ج3/ص100، وذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحداً من الصحابة (جامع التحصيل: ج1/ص176 ، تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل: ج1/ص109) . [2] )) رجال صحيح البخاري: ج1/ص276 . [3])) رجال مسلم للأصبهاني: ج1/ص230، والمنهل الروي: ج1/ص124. [4] )) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج6/ص309 [5] )) تهذيب الكمال: ج9/ص289-290. [6] )) تهذيب الكمال: ج9/ص291. [7] )) سير أعلام النبلاء: ج5/ص297- 298. وانظر الطبقات الكبرى: ج6/ص309 . [8] )) الثقات: ج6/ص341 . [9] )) صفة الصفوة: ج3/ص99. [10] )) صفة الصفوة: ج3/ص100. [11] – النقرة قرية تقع غرب القصيم ولعلها المقصودة أو النقرة التي بالكويت . [12] )) التاريخ الأوسط: ج1/ص315، رجال صحيح البخاري: ج1/ص276 . [13] )) صفة الصفوة: ج3/ص10 . . بقلم أ. مسفر بن سعيد لسلوم عميد شؤون المكتبات بجامعة نجران