في زمن ٍ من الأزمان قد أفلّ بعضه وبقي القليل من آثاره وفي تلك الأقطار القريبة جغرافيا ً من أرضنا والتي كان يسكنها ناسا ً بسطاء لم ينالوا من التعليم ما ناله أقرانهم في تلك القرية الواقعة غربا ً من قريتهم وفي ظل تلك الظروف الصعبة التي ألمّت بقريتهم وضيق السبل إلى الحياة الكريمة فقد غلبت حاجتهم لإيجاد سُبل العيش وجمع فتات الأوهام ليقتاتوا من أوراقه البرّاقه التي لا تسد جوعا ً ولا رمقا ً البحث عن خيوط الأمل المشعّة في أعماقهم ليطردوا بها أشباح الظلام الفكرية ويشقوا بها ظلمة تلك السماء الملبدّة بالغيوم السوداء المحيطة بعقولهم ، وفي تلك الحُقبة من الزمن جاءت تلك العصابة التي كانت تدعى ( بالعصابة الرمادية) وأستوطنت تلك القرية فوجدت فيها من الجهل والفقر والعوز ما يجعلها أرضا ً خصبةً لتزرع بها أفكارها ودسائسها وتحصد منها مآربها ومبتغاها ، فسعت للبحث عن كيفية تحقيق أهدافها ونشر عقيدتها السوداء في أوساط تلك القرية والسيطرة عليها ولم تألوا جهداً لإستخدام أقصى طاقاتها لإيجاد طريقةٍ ما تمكنها من دسّ السموم الفكرية في عقول الناس القاطنين بها ومن ثم الإمساك بزمام الأمور في تلك القرية والتحكم فيها ، وفي منتهى المطاف لسياسة تلك العصابة أنْ صنعت تلك ( العباءة الرمادية) التي تميل إلى السواد كلّما إصطدمت بخيوط الحقيقة وتغلغلت في أعماقها وجذورها. فلجأت لصنع الكثير من مثيلات تلك العباءة وتوزيعها على العامّة من الناس في تلك القرية ليرتدوها فتحوّل فكرهم المتقّد والنير إلى ظلمةٍ حالكة السواد وفكرهم البنّاء إلى فكرٍ جامد يخلو من المرونة والتطوير وقناعاتهم إلى أوهام وكرامتهم إلى ذُل ٌومهانة فإستقرت تلك العباءات الرمادية على أكتافهم عقود ُ من الزمن تتحكم في أفكارهم وتسيطر عليهم وتحجب عنهم شمس الحقيقة لكي لا تطلّ عليهم بإشراقتها وترسل أشعتها لتنير أفكارهم المنغمسة في الظلمة والمرتمية في متارس العبودية والخنوع وتُذيب جبال الجليد المتراكمةُ والمتصلدّةُ على عقولهم وأفكارهم منذ أمد ٍ بعيد ، ولكن مع فلول نجم تلك الليلة الهادئة وإطلالة شمس فجر ٍجديد هبّت على تلك القرية رياحاً قويةُ آتيةُ من الغرب تحمل معها أسمى معاني الحرية والتحرّر من قيود التخلف والقمع والإذلال فتسرّبت نفحاتها من تحت الأبواب والشبابيك لتنتزع تلك العباءات الرمادية من أكتاف القرويين وتهمس في آذانهم بهمسات الحريّة لتوقظهم فأستيقظوا من سباتهم العميق ونظرات التعجب تملأ أعينهم! وهم يتلفتون في جميع الإتجاهات ويرمقون بعضهم البعض ويرددون بصوت ٍ مرتفع أهذا حلمٌ أم علمٌ ؟ وما هي إلا لحظات حتى أدركوا أن هذا ليس حلما ً وإنما هي الحقيقة فهبّوا ليشعلوا ثورتهم على تلك العصابة المخادعة التي أردتهم لسنوات ٍعديدة في أقباع السجون الفكرية والتبلّد العقلي فواجهوها وصمدوا أمامها وأخرجوها قسرا ً من قريتهم وقتلوا زعيمها تحت وطأة سيوف إرادتهم وعزيمتهم المباركة وعادوا إلى بيوتهم وأهلهم وأطفالهم منتصرين ومسرورين لما نالوه من الحرية والشرف ثم أووا بعدها إلى مضاجعهم لتقرّ عيونهم بنصرهم وتحلم عقولهم بواقع جديد