وأنا أتصفح جريدة الوطن العدد 4628 وتاريخ 22 رجب 1434ه استوقفني خبر بالخط العريض المفتي: لا تتعصبوا للعلماء وتركهم واجب إن خالفوا "الحق " http://www.alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=147742&CategoryID=5 وعند قراءة تفاصيل الخبر فإذا سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، يشدد على وجوب عدم التعصب للعلماء، ولا سيما إذا كان حديثهم يخالف الدليل، مشيراً إلى أن على المرء أن يقتدي بهم بالخير، وأكد على وجوب ترك العالم إن ثبت أنه مخالف للحق، ..وعلى المرء أن لا يتعصب للعالم إن كان مخطئاً في قوله ويجانب الحقيقة. هذا الخبر استوقفني كثيراً ، وفكرت مليئاً في مدلولاته فإذا هو يشفي الصدور ، وينير الطريق، ويجرد الإنسان من تقديس الأشخاص والمذاهب والأهواء ومن التعصب للأئمة والعلماء والمشايخ ويجعل القداسة للحق وحده، والدليل والبرهان والحجة الدامغة. وفي الحقيقة أن كلام سماحة المفتي هو نبض الحق وعين الصواب والذي ينبغي لعلماء الأمة بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها أن ينطقوا به لأنه منهج قرآني وتوجيه رباني إذ يقول تعالى : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف3] وهو منهج الأئمة الأربعة الذي يؤكد على اتباع الدليل وعدم تقديس الأشخاص والعلماء وينهى عن التقليد الأعمى فهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ( إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي) والإمام مالك بن أنس يقول : (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه) ويقول : (ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك) وأما الإمام الشافعي صاحب المقولة المشهورة: رأيي صح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فحث كثيراً على الاتباع ونهى عن التقليد الأعمى وخلاصة أقواله : اضربوا بكلامي عرض الحائط إذا خالف كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال: (..فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي). وقال:(أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد).وقال: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت). والإمام أحمد وهو أكثر الأئمة جمعاً للحديث وأكثرهم نهياً عن التقليد كان يقول لأحد تلاميذه : (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا). وفي رواية: (لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به). هذا هو المنهج التنويري الذي يحرر العقول من التبعية العمياء.. التبعية المطلقة للعلماء ويشعر الإنسان بكرامته البشرية لأن الإنسان كرمه الله عن سائر المخلوقات بالعقل وحث القرآن على استخدام العقل في التفكر والتدبر . فما أجمل أن يكون طالب العلم والباحث عن الحقيقة حنبلياً في مسألة وشافعياً في مسألة أخرى ومالكياً في مسألة بل سني في مسألة وشيعي في مسألة وزيدي في مسألة وهكذا يدور مع الدليل الصحيح بدون تعصب لمذهب ولا رأي ويشيع التسامح وتفهم الرأي الآخر في دائرة ما يسوغ فيه الاختلاف فإذا كان هذا ديدن الأمة ومنهجها رجعت تلقائياً للمنبعين الصافيين للإسلام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وأي منهج يحث على التقليد الأعمى والتعصب المقيت ويضفي القداسة على العلماء والمشايخ ويجعلهم فوق البشرية في طبقة عاجية لا يُسألون عما يفعلون، ولا يُخالف لهم رأي ، ولا يرد عليهم ، ولا يناقشون يحللون ويحرمون ولا يسألون عن الدليل، ومنهجهم اتبعني ولا تسأل ..وشعارهم سلمني عقلك تسلم .. هذا المنهج الرجعي الذي يفرق الأمة ويكرس الطائفية والفرقة ويكون أبعد عن الحق والصواب عكس المنهج الذي يقول لأتباعه لا للتعصب ولا للطاعة العمياء ودوروا مع الحق حيث دار وخذوه أينما وجدتموه وممن قال به . اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه. . . بقلم د . مسفر سعيد لسلوم عميد شؤون المكتبات بجامعة نجران