كثيرون من أهالي نجران – كغيرهم من قبائل العرب – يزعمون بأن أبو زيد الهلالي قد استوطن ديارهم,وأنه كان يسرح ويمرح في وديانهم ينظم الأشعار ويتغنى بجمال الطبيعة,وأن له في شعابهم صولات وجولات!,ولهم في ذلك حكايات يتداولونها في مجالسهم,ومما ينسب إليه قوله: "تمنيت يلغمصان عمري بعمرش,,,وحسبت أنا الفاني وانتي الباقيه" والغمصان اسم موقع شرق الأخدود, ولعل من أبرز الشواهد التي يوردها النجرانيون لإثبات هذه الرواية هو ذلك البيت الحجري الواقع في جبل السوداء بحي سقام ,حيث يدّعون بأن أبو زيد الهلالي هو من شيّده في قمة ذاك الجبل. وخلافاً لما يرويه الأهالي عن حقيقة هذه القلعة الحجرية وعن قصص بني هلال في نجران,أعتقد بأن هناك علاقة وثيقة بين القلعة ومدينة الأخدود المجاورة لها,فثمّة العديد من الاحتمالات يكمننا تصورها عن هذه القلعة..فمن المحتمل أنها بُنيت في الحقبة الزمنية التي حدثت فيها محرقة الأخدود,وأنها كانت مرصداً لمراقبة حدود رقمات(الأخدود سابقاً) ورصد تحركات الأعداء حولها,وفيما لو صح هذا التصور فإنه يوحي بوجود جيش منظم وقوي لرقمات,ما يُرجّح وقوع ملحمة عظيمة بين جيش الرقماتيين وجيش الملك الحميري ذو نواس,وهذا الافتراض- في حال ثبوته- سينسف الرواية التقليدية عن واقعة الأخدود,وهي أنّ ذو نواس سار إلى الأخدود بجنوده ودخلها دون قتال أو بعد مناوشات محدودة,ثم دعا أهلها إلى اليهودية وخيّرهم بين اعتناقها والحرق فاختاروا الحرق!.وبناءً على تصور وقوع الحرب الطاحنة بين الطرفين تتضح لنا الفئة التي تم حرقها ,ألا وهم الشيوخ والنساء والأطفال,ويعزّز ذلك ما ذُكر في كتب التاريخ عن رضيع الأخدود الذي كلّم أمه طالباً منها القفز به في نيران الأخدود الملتهبة. كل هذه الاحتمالات واردة ولكنها تظل في إطار التكهّنات والتخمينات ما لم تنهض الهيئة العامة للسياحة والآثار بمسؤولياتها, وتقوم بالبحث والتنقيب في هذا الموقع لاستجلاء الحقيقة,والأهم من ذلك أن تقوم بتحرير القلعة من أسر المكان!,فهناك عدد من المنازل تقع أسفل جبل القلعة,مما يجعل الصعود إليها أمراً صعباً ومحرجاً,فلو قامت الهيئة بمشروع سياحي يستهدف إبراز القلعة كمعلم أثري,ويتم من خلاله انتزاع الملكيات الخاصة المجاورة للموقع, ومن ثم دفع التعويضات المرضية لأصحابها كما هو الحال في مشاريع الطرق؛لكان هذا المشروع إضافة حقيقية لرصيد المنطقة الأثري والتاريخي والسياحي. ولأنني لا أعوّل كثيراً على الهيئة في الاهتمام بالمواقع الأثرية وتطويرها؛فقد عدلت عن إبلاغهم بشأن هذا الموقع الأثري,فمنذ سبع سنوات تقدمت إلى الهيئة بملاحظات واقتراحات تناولت فيها..عمليات التنقيب التي تتم في الأخدود.. الجهة المنقبة..أساليب التنقيب..القطع الأثرية..المتحف..ورؤية تطويرية لمدينة الأخدود الأثرية,وللأمانة فقد جاء رد الهيئة سريعاً في غضون أيام وإيجابياً أيضاً,ومما ورد فيه"نشكر لكم اهتمامكم,ونفيدكم أن إستراتيجية قطاع الآثار والمتاحف التي أعدتها الهيئة سوف تعالج الكثير من القضايا الواردة في خطابكم".. وبعد مرور هذه السنين ما يزال الحال على ما كان عليه, ولم تعالج الهيئة شيئاً من تلك القضايا!!. ويبقى السؤال:من يستنطق هذه القلعة الصامتة لتبوح حجارتها بسرها المكنون؟. أمنية: أتمنى أن تُقَص كلمة الآثار من مسمى الهيئة العامة للسياحة… وأن تُلصق بجامعاتنا,لحيث وأن تلك الصروح الأكاديمية هي المؤهلة للتعامل مع الآثار من حيث الدراسة,التحليل,البحث,التنقيب,الترميم,والتطوير.. وسبق أن أفصحت عن هذه الأُمنية في أروقة جامعة نجران,وذلك لاعتقادي بأن استحداث كلية متخصصة في علم الآثار بالجامعة يعتبر ضرورة ملحة يفرضها الواقع الأثري والتاريخي لنجران,فالآثار هي في الأصل علم قبل أن تكون سياحة,والعلم مقدّمٌ على …!!.