اسدلت حشود غفيرة من الليبيين السعداء الذين ملأت دموع الفرحة عيون بعضهم الستار على حكم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يوم السبت عندما بدأوا التصويت في اول انتخابات وطنية حرة تشهدها البلاد منذ اكثر من 60 عاما. لكن في مدينة بنغازي بشرق البلاد - وهي مهد الانتفاضة التي اطاحت بالقذافي العام الماضي والتي تسعى حاليا للحصول على مزيد من الحكم الذاتي من الحكومة المؤقتة في طرابلس - اقتحم محتجون مقرات انتخابية وحرقوا المئات من اوراق الاقتراع. وسيختار الناخبون جمعية وطنية تتألف من 200 عضو والتي ستتولى مهمة انتخاب رئيس للوزراء ومجلس للوزراء قبل تمهيد الطريق لاجراء انتخابات برلمانية كاملة العام المقبل في ظل دستور جديد. ويملك المرشحون الاسلاميون فرصا اكبر بين المرشحين البالغ عددهم اكثر من 3700 وهو ما يشير الى ان ليبيا ربما تكون ثالث دولة فيما تعرف بدول "الربيع العربي" بعد مصر وتونس التي تضع الاحزاب الاسلامية موطئ قدم لها في السلطة بعد الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية العام الماضي. وفي بنغازي قال شهود يوم السبت إن محتجين اقتحموا مقرا انتخابيا بعد قليل من بدء التصويت واحرقوا علانية المئات من بطاقات الاقتراع في مسعى لتقويض مصداقية الانتخابات. وقال عامل محلي في مفوضية الانتخابات ان صناديق للاقتراع سرقت من مقرين انتخابيين اخرين في بنغازي. وقال اسماعيل المجبالي وهو مسؤول محلي في مفوضية الانتخابات ان رجلا اصيب بالرصاص في ذراعه عند مقر اخر هاجمه محتجون. واضاف ان اثار الدماء جراء الهجوم لا تزال على الارض ونقل الرجل الى المستشفى. وفي العاصمة طرابلس اتسم التصويت بالسلاسة. وتعالت صيحات التكبير داخل مقر انتخابي باحدى المدارس عندما ادلت اول امرأة بصوتها بينما كان الضجيج يملأ المكان بسبب ثرثرة الناخبين المصطفين في انتظار دورهم. وقالت زينب مصري وهي معلمة تبلغ من العمر 50 عاما عن اول تجربة تصويت لها في حياتها "لا يمكنني وصف هذا الاحساس. دفعنا الثمن شهيدين في عائلتي. متأكدة من ان المستقبل سيكون جيدا وليبيا ستنجح." وقال محمود محمد "انا مواطن ليبي في ليبيا حرة... جئت اليوم لادلي بصوتي بديمقراطية. اليوم اشبه بالعرس لنا." ويشعر كثير من ابناء شرق ليبيا بالغضب من تخصيص 60 مقعدا فقط للشرق في الجمعية الوطنية مقابل 102 مقعد للغرب. ويقع الجزء الاكبر من قطاع النفط الليبي في الشرق. ويوم الجمعة عطلت جماعات مسلحة في شرق ليبيا صادرات البلاد من النفط للضغط من أجل الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي عشية أول انتخابات حرة تجرى في البلاد. وتعطلت ثلاثة موانيء تصدير رئيسية على الأقل. وقال حامد الحاسي رئيس المجلس العسكري لإقليم برقة لرويترز ان البلاد ستكون في حالة شلل لان لا احد في الحكومة يستمع لهم. وقال وكلاء الموانئ ان وقف صادرات النفط سيستمر 48 ساعة لكن الحكومة ارسلت فريقا يوم السبت للتفاوض بشأن استئناف النشاط بالكامل في القطاع الذي يوفر معظم العائدات الليبية. وفي أحدث هجوم على مسؤولي الانتخابات في الشرق اضطرت طائرة هليكوبتر تحمل مستلزمات خاصة بالانتخابات للهبوط اضطراريا قرب مدينة بنغازي يوم الجمعة بعد إصابتها بنيران مضادة للطائرات في هجوم أسفر عن مقتل أحد ركابها. وقال عماد السايح نائب رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لرويترز أنه لا يوجد أمن في البلاد. وينتشر القلق في كل مكان ففي الكفرة بالجنوب المعزول تكون الاشتباكات القبلية شرسة لدرجة انها تحول دون تمكين مراقبي الانتخابات من زيارة مقار اللجان ويتساءل البعض هل يمكن اجراء انتخابات في بعض المناطق هناك. وفي سرت مسقط رأس القذافي يغلب مزاج غير ايجابي تجاه الانتخابات حيث يقول البعض انهم لن يشاركوا في التصويت. ويقول عابد محمد احد سكان الحي الثاني الذي شهد بعضا من اشرس المعارك ويعتقد انه كان مخبأ القذافي قبل اعتقاله وقتله "ينبغي عليهم اولا ان يعتنوا بنا. انظر الى منازلنا." وبينما يقول محللون انه من الصعب التنبؤ بشكل الجمعية الوطنية إلا ان احزابا ومرشحين من ذوي توجهات سياسية بعينها يهيمنون على المشهد بينما يترشح عدد قليل من العلمانيين. ومن المتوقع ان يبلي حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين في ليبيا بلاء حسنا وكذا حزب الوطن الذي يتزعمه المعتقل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الامريكية عبدالحكيم بلحاج. وستغلق مراكز الاقتراع ابوابها في الثامنة مساء بالتوقيت المحلي (1800 بتوقيت جرينتش) لكن لا يتوقع ظهور نتائج أولية ذات معنى قبل يوم الاحد.