يدلي الليبون بأصواتهم يوم السبت في أول انتخابات عامة حرة منذ أكثر من نصف قرن وسط مخاوف من أعمال عنف قد تشوه الانتخابات التي تستهدف تشكيل جمعية وطنية انتقالية وإنهاء الحكم الشمولي للعقيد معمر القذافي الذي استمر 42 عاما. وسيختار الناخبون 200 عضو في الجمعية التي ستشكل بدورها حكومة تحل محل الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد الانتفاضة. كما تعين أيضا رئيس وزراء جديدا وتساعد في وضع دستور يستهدف تحويل ليبيا الى دولة موحدة ومستقرة. والكثير من المرشحين الذين يخوضون انتخابات السبت من الاسلاميين. وسيراقب العالم عن كثب هذه الانتخابات سواء أولئك الذين ايدوا أو عارضوا حملة حلف شمال الأطلسي العام الماضي التي ساعدت الانتفاضة الليبية وأنهت دكتاتورية القذافي. لكن بالنسبة لكثير من الناخبين المسجلين في ليبيا وعددهم 2.7 مليون ناخب فإن حماسهم لتذوق طعم الديمقراطية لأول مرة يختلط بالخوف من أن تختطف الديمقراطية ميليشيات لها انتماءات بأقاليم مختلفة بالبلاد شهدت انتعاشا وسط انتشار الفوضى في البلاد. وقال طارق مبروك وهو صاحب متجر في طرابلس "هذه بداية جديدة بالنسبة لنا. إننا نتعلم الديمقراطية.. نتمنى جميعا أن يسير كل شيء على ما يرام حتى يتسنى لنا المضي قدما." وبعد وضع مشروع الدستور الجديد سيطرح على الاستفتاء وإذا نص على أن يكون نظام الحكم في البلاد برلمانيا فستجرى انتخابات تشريعية كاملة في غضون ستة أشهر. وعلى الرغم من أن الانتخابات الليبية تهدف إلى تشكيل حكومة تحظى بتفويض أقوى من المجلس الوطني الانتقالي الليبي الحالي الذي يضم مقاتلين سابقين فإن مصداقية النتيجة ستكون موضع شك إذا لم يقبل الناخبون على التصويت أو إذا وقعت اشتباكات بعد التصويت وتطورت إلى معارك مسلحة بين الفصائل المختلفة. والاشتباكات القبلية شرسة للغاية في بعض المناطق مثل منطقة الكفرة الجنوبية المنعزلة لدرجة أن مراقبي الانتخابات لن يكون بمقدورهم زيارة المنطقة ويتساءل البعض عن إمكانية استمرار التصويت في مناطق بعينها هناك. وبعد أقل من عام على نجاح مقاتلي المعارضة الليبية في دخول العاصمة طرابلس بدون مقاومة كبيرة ينعم الليبيون بقدر أكبر من الحريات التي لم تكن تخطر على بال خلال العقود الأربعة التي سبقت الانتفاضة إلا أن انعدام الاستقرار وأعمال العنف المتفرقة تحد منها. ومن الممكن أن تمر أيام في طرابلس بدون مشاكل لكن النزاعات بين الميليشيات المتنافسة جيدة التسليح يمكن أن تتحول إلى معارك في غضون ثوان بفعل التوترات بين الأقاليم التي ظلت خامدة تحت السطح طوال حكم القذافي. وكشف اقتحام محتجين مسلحين يطالبون بسلطات أكبر مكتب المفوضية العليا للانتخابات الأسبوع الماضي في مدينة بنغازي بشرق ليبيا حجم الجهود الذي يجب أن تبذلها ليبيا لتعزيز الوحدة الوطنية كما أظهر الخطر الحقيقي للتوتر في يوم التصويت. وقالت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في إشارة إلى مثل هذه الاحتجاجات "يجب ألا ترتكب السلطات الليبية خطأ التهوين من شأن قدرتها على إعاقة العملية السياسية" وأضافت أن مطالب شرق ليبيا بمزيد من الحكم الذاتي يجب أن يتم التعامل معها إن عاجلا أو آجلا. وظهر ضعف الشرطة والجيش في ليبيا جليا الشهر الماضي عندما احتل مقاتلو ميليشيا مهبط الطائرات في مطار طرابلس الدولي لساعات بعدما ظنوا خطأ أن قوات الأمن ألقت القبض على قائدهم. لكن مثل هذه الحوادث لن تؤثر كثيرا في حماس المستثمرين المحتملين في ليبيا صاحبة أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في افريقيا ويقول الكثير من المراقبين إن ليبيا تعافت من الصراع بشكل أسرع مما كان متوقعا. وتعافى إنتاج النفط في البلاد ووصل الان إلى مستويات الانتاج قبل الحرب وهي 1.6 مليون برميل يوميا. وتفادت البلاد أيضا العنف الطائفي الذي عانى منه العراقيون فكان العشرات يقتلون أسبوعيا بعد نحو عقد من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 . وقال ايان مارتن مبعوث الأممالمتحدة لرويترز في مقابلة في يونيو حزيران "إن المقومات الأساسية للحياة مستمرة في ليبيا. "عندما تضعها في سياق ليبيا وفي سياق دول أخرى بعد الصراعات فإن نصف الكوب المملوء يطغى على النصف الفارغ." لكن آليات أول انتخابات تعددية في ليبيا منذ انتخابات عام 1952 في ظل الملك إدريس مازالت تربك الكثير من الليبيين. وكان إدريس ملكا لليبيا بعد الاستقلال وأطاح به القذافي ومجموعة من ضباط الجيش الشبان بعد الانتخابات بسبعة عشر عاما. وستجرى انتخابات الجمعية الوطنية في ليبيا بالنظام المختلط حيث سينتخب المرشحون على قوائم الاحزاب بنظام التمثيل النسبي وستختار أغلبية بسيطة المرشحين المستقلين. وتضمن قواعد التكافؤ في البرلمان الجديد أن يكون هناك الكثير من النائبات فيه إلا أن العديد من المرشحات في الانتخابات لم يظهرن وجوههن في ملصقات الدعاية الانتخابية مما يظهر التناقض الذي يشعر به البعض في المجتمع الليبي بشأن إمكانية أن تلعب المرأة دورا أكبر في السياسة. ويقول محللون إن من الصعب التنبؤ بالتركيبة السياسية للبرلمان الجديد لكن الأحزاب والمرشحين الذين يظهرون ارتباطا بالقيم الإسلامية يهيمنون على الساحة وتخوض قلة الانتخابات بقيم علمانية محضة. ويتوقع أن يحقق حزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين في ليبيا نتيجة جيدة في الانتخابات وكذلك حزب الوطن بزعامة عبد الحكيم بلحاج القيادي الإسلامي الذي اعتقلته من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وكانت الانتخابات التي أعقبت انتفاضتي الربيع العربي في كل من مصر وتونس قد أسفرت عن برلمانين يهيمن عليهما إسلاميون تعرضوا للقمع لسنوات طويلة. وستظهر الانتخابات الليبية ما إذا كان تيار الإسلام السياسي سيواصل الصعود. وقالت مجموعة اوراسيا "سيؤكد الليبيون على أهمية المبادئ الاسلامية وأنهم لن يؤيدوا إلا من يشاركهم قيمهم." لكن المجموعة أشارت الى ان مدى تأييد الناخبين الليبيين للاسلام السياسي لم يختبر بعد وقالت "قليل من الليبيين الذين ينظرون بعين الحسد لشعوب السودان وإيران والسعودية على سبيل المثال."