ربونا أباؤنا وما زلنا نربي أبنائنا أن الشرف أغلى ما يملك الإنسان ، أن الإنسان يجب أن يضحي بنفسه دون شرفه ، أن الإنسان بلا شرف لا يُعد إنساناً عندما أتذكر الشرف أتذكر قصة سجينه الشاب محمد بن علي القحص ، اتخيل حكاية معاق عمره خمسة عشر عاماً ، أتخيله وهو يصارع ويجاهد من أجل ما تربى عليه ، من أجل ما تعلمه ، من أجل الشرف كان محمد في موقف لم يختاره ، محمد سيفقد شرفه سيفقد إنسانيته مجبراً ، لحظات تذكر فيها محمد وصايا والديه ، لحظات كان عقل محمد الباطن هو الذي يصدر الأوامر هو المتحكم في جسده المعاق ، كان عقله الباطن يصرخ (لا تراجع يا محمد، إنها لحظة الدفاع عن الشرف ، لا تتوقف يا محمد لا تتوقف ) ، عقله الباطن يخطب في جسمه النحيل ، يستحث كل خلية فيه لتعمل بكل طاقتها ، يحمسها لتؤدي واجبها دفاعاً عن أغلى ما يملك الإنسان لحظات ملائها البكاء والركض والصراخ ، لتتبعها لحظة الصمت والذهول والدم ، وتحصل مشيئة الله التي ليس لها راد ولا مبدل كان محمد ينتظر أن يرى والده ليخبره كيف أنه صان شرفه وحفظ ما علمه ، كان يترقب عودته لبيتهم ليقبل كف ورأس أمه ويخبرها كيف أنه لم ينسى دروسها ونصائحها ويشكر لها دعواتها التي حفظته وساعدته لكنه لم يكن يعلم أن تلك الثواني والدقائق التي انتصر فيها الشرف كان جزاؤها تسعة عشر عاماً خلف القضبان ، في انتظار لحظة القصاص محمد مؤمن بالقضاء خيره وشره ، صبر وكبر في سجنه لينال محمد لقب هو من يجمله وليس العكس لقب (سجين الشرف) كنت أتخيل هذه قصة محمد وأنا كلي فخر به ، كلي حماس لما فعله محمد ، أردت في لحظة الحماس والفخر أن أجمع أولادي ، وجدتها فرصة لأشرح لصغاري أهمية الشرف ومعنى الشرف ، فرصة لأزرع فيهم قيمة أخلاقية ليكتسبوها مع الزمن وتصبح سلوكاً وعادة لا مجال للتفريط فيها ، كنت أحاول أن أرتب في ذهني المدخل والبداية ، كنت أفكر كيف سأبسط الحكاية لتناسب أعمار عقولهم ، كان لا بد من مثال واستشهاد حتى أكون مُقنعاً في كلامي ونصائحي لصغاري ، كنت بكل تأكيد سأستشهد بحكاية وقصة ابن مدينتهم البطل محمد مثال الشرف الحي والموجود بينهم لكن لحظة ، ماذا سأقول لهم في آخر الحكاية ؟!! هل سأقول ( أن من يحافظ على شرفه سيكون مصيره السجن ومن بعدها القتل ؟!!!!) ، يا لها من نهاية غير منطقية ، نهاية غير عادلة ، نهاية بكل المقاييس قاتلة !!!! توقف وانشل تفكيري ، توقفت ولم يبقى لي إلا أن أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى أصحاب الدم ( يا أصحاب الدم يا أهل الكرم أنتم لن تقتلوا محمد !!! أنتم ستقتلون الشرف !!! بعدها سيفكر أطفالنا وأطفالكم مئات المرات قبل أن يدافعوا عن شرفهم ، لأنهم سيتذكرون محمد ، سيتذكرون أن من يدافع عن شرفه سيكون مصيره السجن ثم القتل ، ستبقى قصة محمد في عقولهم الباطنة تذكرهم بسنوات السجن وحد السيف ، بدلاً من أن تذكرهم بالشرف والحياة الكريمة ) نناشدكم بالله العظيم الكريم الرحيم أن تعفوا عن الشرف ولا تقتلوه ، أعفوا عن الشرف ولا تقتلوه ، نرجوكم أعفوا عن الشرف ولا تقتلوه