من وراء الحدود إستغاثت بشده جمعية كويتية تسمي نفسهاجمعية إحياء التراث الإسلاميوكأن تراث الدين الإسلامي العظيم قد مات او اندثر حتى يتم إحياءه من جديد.إستغاثت في طلب فتوى حولصحة الدعوات في ميزان الشريعة التي اطلقها أعضاء في البرلمان الكويتي الى منع او هدم الكنائيس.هذه الجمعية اتهمت قبل مايزيد على الثلاثة اعوام بتمويل الإرهاب كما ورد على لسان وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والإستخبارات المالية السابقستيوارت ليفي الذي قال:ان الواقع هو ان جمعية احياء التراث الاسلامي استخدمت المساعدات الخيرية والإنسانية كستار لتمويل انشطة ارهابية وايذاء مدنيين ابرياء في مناطق فقيرة وقاحلة في كثير من الاحيان. طارت الفتوى من داخل الحدود الى المستفتين خارجها بأنالكويت جزء من الجزيرة العربية التي يجب أن يهدم كل ما فيها من الكنائس لأن إقرار هذه الكنائس إقرار لدين غير الإسلام،والنبي أمرنا وقال:(لا يجتمع في جزيرة العرب دينان). فبناؤها في الأصل لا يصح لأن هذه الجزيرة يجب أن تخلو من هذا كله.الفتوى لم تقتصر على من أفتى ومن أفتي له,بل جابت الآفاق واحدثت صدمة عنيفة في العالمين الغربي والعربي وللمسلمين والمسيحيين على السواء.ولاأعلم لماذا يصّر البعض ويستميت على استعداء العالم بل كل الملل والنحل المختلفة ضد السعوديين والمجتمع السعودي بشكل اسبوعي او شهري في الوقت الذي يطرق الجميع يوميا زرافات ووحدانا ابواب العالم للسياحة والطبابة والعلم..بل وفي اللحظة التي يحاول الجميع فيها بناء الجسور المشتركة مع الآخرين منذغزوة منهاتنوحتى الآن..بل ايضا في الوقت الذي نقدم انفسنا فيه للعالم دعاة للحوار والتسامح والتعايش بين مختلف البشر بأديانهم وثقافاتهم وألوانهم ومشاربهم. من المعلوم انه يوجد كنائس(مسيحية)في كل دول الخليج بإستثناء المملكة فضلا عن البلدان العربية الأخرى كما يوجد ايضا كنس(يهودية),اضافة الى وجود ممثلين مسيحيين ويهود في بعض برلمانات دول الخليج وبعض المواقع الوظيفية.في البحرين على سبيل المثال تم تعيين سيدة بحرينية تدعى هدى النونو(يهودية)سفيرة للبحرين في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد قيل وقتها ان هذا التعيين جاء فقط كنوع منذر الرماد في العيون وعملا من اعمال العلاقات العامة والدعايةوإرسال إشارة مضلّله الى الغرب مفادها:اننا اناس متسامحون ونعطي كل ذي حق حقه.وقد تنطبق العبارة الشعبيةحاس انه مخملالتي يرددها النجرانيون في آحاديثهم كردة فعل إزاء شخص ما بدأت عليه علامات الشعور بأنه قد أخطأ في حق الآخرين ثم يقوم تلقائيا بالمبالغة في ردة فعله فيما يظن(اي الشخص)انه اصلاح للخطأ الأصلي لكنه في الواقع ليس إصلاحا حقيقيا بقدر ماهو محاولة للتعمية على الخطأ الحقيقي الذي بدر منه والذي ظل كما هو دون علاج ناجع.. اقول قد تنطبق هذه العبارة على ممارسات الدول العربية او بعضها مع الغرب ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني عندما تزداد الإنتقادات عليها وتعلو الأصوات المنادية بوقف انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة فيها والتمييز ضد مواطنيها تكون الوصفة الجاهزه(على طريقة حاس انه مخمل)بالمبادرة الى لعبة المناصب وتعيين يهودي او مسيحي هنا او منتم الى مذهب اسلاميغير مرغوب فيه او إمرأة هناك دونما رغبة جادة او محاولة لإجراء اصلاح حقيقي او ايجاد حل جذري للمشكلة الأم.ولا اعلم من هو المستشار الفذ والعبقري الذي يشير على الدول العربية بهكذا مشورة عفى عليها الزمن واكل وشرب وكثّر بالخير.لم يعد مستساغا ولامقبولا ان تمارس مثل هذه الفذلكات والألعاب البهلوانية في هذا العصر الذي يعرف فيه قاطنو مجاهيل الربع الخالي مايحدث في سهول وهضاب التيبت الصينية والعكس.لم يعد مجديا ان نحاول تقديم صورة جميلة ومنمّقه وخادعة عنّا للغرب(المسيحي واليهودي)بأننا نحترم الديانات الأخرى ونحترم كل منتم اليها من مواطنينا وفي نفس الوقت نمارس التمييز والتفرقة والظلم ضد مواطننا الآخر المسلم المختلف معنا مذهبيا.لقد آن الاوان لمواجهة الواقع كما هو وتدارك العواقب سريعا فالزمن لن يرحم احدا مهما علا كعبه.ثم لماذا لانصدق ولو مرة واحدة مع ربنا اولا ثم مع انفسنا ونقوم بعمل جاد او مبادرة حقيقية من تلقاء انفسنا فيها صلاح للبلاد والعباد وليس رغبة لإرضاء الغرب او طمعا في نيل مديحهم.هذا الغرب الذي يفهمنا اكثر من انفسنا ويعرف كافة تناقضاتنا ويلعب بها وعليها ولا يهمه الا ماوافق مصلحته الذاتية فقط. في الداخل السعودي كانت ردات الفعل عاصفة وغاضبة من الكتاب والمثقفين تجاه تلك الفتوى المشار اليها آنفا,وهذا احداباطرة الليبرالية السعوديةيقول:الفتوى الأخيرة بهدم الكنائس في جزيرة العرب:ماذا لو عاملونا بالمثل فهدموا مساجدنا في أميركا وأوروبا؟ هل نلومهم؟.كلام جميل ومنطقي ولاغبار عليه وزي العسلولكن كم كانت ستكون مثل ردة الفعل هذه(وهي محقه) او نصفها او ربعها أجمل وأصدق وأعمق وأنفع وأبقى لو انها وجهت ايضا للتضامن مع اهل نجران عندما تم التعدي عليهم علنا بالألفاظ القبيحة ثم هدم مسجدهم بعد ذلك في مدينة الثقبة في المنطقة الشرقية تحت مبررات واهية لايصدقها عاقل. الكتاب والمثقفون لدينا(ماشاء الله عليهم لا احد يعطيهم عين)غالبا ماتكون ردات فعلهم تتعلق بقضايا عابرة للقارات او أثيرت من قبل آخرين في الخارج ثم تلقفوها بدورهم..ولا أعلم هل ان هذا بسبب يتعلق بجيناتهم التي تنزع دائما للعولمة ام ان السبب له علاقة بالتملق ونفاق الآخرين(الغرب المسيحي مثلا)اوانه بسبب علاقة الصداقة التي تربطهم بنظرائهم في العالم العربي وبخاصة الذين لديهم دياناتهم وافكارهم وثقافتهم المختلفة كليا عن الداخل السعودي فكان لزاما عليهم(المثقفين السعوديين)ابداء التعاطف والتنديد ضد مثل هذه الفتاوى. لاأملك هنا سوى طرح الأسئلة حول هذا الحماس المنقطع النظير لقضايا تخص آخرين وهي قضايا مهمة ومحقة في الغالب..ولكن قضايا الداخل أولى وأهم والبيوت المشتعلة في الداخل أحق بأن تطفأ الحرائق فيها قبل اننفزعلنجدة الآخرين وإطفاء حرائقهم,فلهمرب يحميهم.الثقافة السعودية بشتى تياراتها المحافظة والليبرالية تعاني من خلل واضح في فهمها لنفسها وبالتالي فهمها للآخر.والكل يلحظ هذه الإستماتة والمبالغة والكرم الحاتمي في الدفاع والتضامن مع المسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي وحتى الملحد إذا ماتعرضت حقوقهم الإنسانية لإنتقاص او تعد ما... ولكن العجب العجاب عندما يأتي الأمر الى الشقيق المسلم المختلف مذهبيا فإن الأمر يصبح فيهخلب ضبكما يقال في نجران,اي ان ذلك المثقف السعودي الذي أرغد وازبد ونافح عن قضايا العالم كلها وتبناها عندما يحين دوره لممارسة نفس الدور وبنفس الحماس والعزيمة في قضايا الداخل وتحديدا مايتعلق منها بما يقع على المختلفين معه في المذهب من عسف وانتهاك سافر لأبسط الحقوق فإنه ينكص على عقبيه ويرجع القهقرى.هل من مجيب او مفسّر يفتينا حول هذه التناقضات الفجة من قبل مثقفينا وكتابنا وقادة الفكر وأهل التربية عندنا؟!! آمل ان يكون هناك من لدية معرفة لفك طلاسم هذه الأحجية!! كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية