نودع عامنا لنستقبل ورقة من أعمارنا، ونطوي أخرى بحصيلة ما ارتكبناه طيلة أيام السنة الفائتة أو لنقل ما حصدناه من أعمال، حتما هي خليط!! لكن من يجزم برجحان الكفة إلى النزاهة وتحكيم الضمير في كل ما فعل يخبئ الحقيقة في جراب الوهم. البعض يدرك أنه تجاوز حد التسامح، لذلك يذيل نهاية العام برسالة أثيرية يطلق لها العنان في الأجواء ناشرة توبته عن كل ما بدر، وطالبا من الجميع الصفح، وخاصة من أخطا بحقهم، وهو بذلك يعتقد أن الأمور ستمر بمرور العام، جاهلا أن الإساءة لا تمر والخطأ يتعاظم أثره في الأنفس، وليست كلمة أو عبارة استدرار ستجعل قلوب الآخرين تهفو للمسامحة والنسيان. لدينا فلسفة غريبة في توديع الأيام واستقبالها، ليس في مراجعة الحصيلة أو الندم على إضاعة السنين دون ترك أثر يسجل لصالحنا أو حتى نتقارب مع من تسببنا لهم في أذية أو مكروه، بل نصر على حماقة الماضي ومشية الطاووس، وأن مجرد كلمة منا أو حتى رسالة تنقي ذنوب النفس، ونعود بالطهر كما ولدتنا أمهاتنا لنبدأ من جديد دورة حياة نعيد فيها ما سبق. طبعا، طقوس توبة نهاية العام يتساوى فيها الأفراد والمؤسسات، والتي عادة ما تقدم للعامة تقاريرها السنوية مضخما فيها الإنجاز مهما تناهى صغره، مع إشارة عابرة إلى الإخفاق البسيط في مفهومه، والذي كان السبب فيه العراقيل والصعوبات التي لا حجم لها. وقبل الختام، يأتي الاستدراك أن الغد مشرق والقفزات حاصلة، غير أنها مرهونة بمغادرة العام وحلول بديله لتتوالد الإنجازات. لم تعد السنوات تحدث ذلك الفارق في مسيرة حياتنا أو حتى خططنا التنموية كشعوب، بل نحسب أيامها تقلصت، وكأن اليوم الذي بدأت فيه هو ذاته زمن النهاية، لا ندري هل مسيرة الكواكب هي الأخرى تعيش حمى السرعة، أم العيب في جمودنا الذي فقد الإحساس بالحركة فتصور كل ما حوله ثابتا لا يتحرك. في بلدان بعيدة لا تمر أعوامهم هكذا، بل خطواتهم محسوبة، وتسير وفق خطط استراتيجية منظمة، تم وضعها بحيث تحقق أهدافا قريبة وبعيدة، ولا ينتهي المطاف عند تحقيق أول نتيجة ويركنون للكسل، بل أبحاثهم ومشاريعهم مستمرة تتطور عاما بعد آخر، وبين فترة وأخرى يظهر لنا اكتشاف علمي أو طبي مذهل يصور مدى الجهد الذي يبذل لتحقيق النجاح على مستويات عالية أكبر من إشادة مبنى أو زفلتة طريق. في علوم الذات والبرمجة يقولون: لا بد لك أن تتصور السعادة وتردد في داخلك عبارات إيجابية لتكسر التشاؤم وخيبات الأمل وتزداد مقاومة للإحباط، ونحن لا نحتاج ذلك لأن التعود يماثل بلادة الحس وواقعنا امتزج بأرواحنا، وما بتنا نخشى أثره علينا هو حدوث المعجزة وانعكاس الوضع، وأن نفيق ذات صباح وقد اختفت تلك المشاهد المألوفة لمشاريعنا المتعثرة، وشبابنا المتسكع دون عمل، ونسائنا الحائرات في أمرهن بين فتاوى التحريم والحاجة إلى ما يملأ البطون ويستر الأبدان. فاطمة آل تيسان عكاظ