عرف التاريخ الحديث، وبالذات في السنوات الثلاثين الأخيرة، الكثير من حالات الانتحار الجماعي، وخاصة بين المنتمين إلى الجماعات الدينية، سواء لأسباب خاصة أو سياسية، وربما كانت هناك حالات مماثلة قديما ولكن تفاصيلها غير واضحة، كحركة الحشاشين التابعة لحسن الصباح وغيرها من الفرق الانتحارية. وأول حادثة موثقة من هذا النوع وقعت في أواخر عام 1978، وقد تابعتها في حينها وأنا مشدوه، وكانت محصلتها 909 أميركيين بين رجل وامرأة وطفل، من أتباع شعب المعبد الذين قضوا انتحارا في مدينة جونستاون بغويانا الأميركية الجنوبية، بعد أن أقنعهم جميس جونز بتناول شراب يحتوي على سم السيانايد للتخلص من حياتهم بعد رفض روسيا، التي كان شعب المعبد يتفاوض معها، هجرتهم الجماعية لها، وبعد تورطهم بقتل عضو كونغرس وآخرين قرب معبدهم. وقد أرعبتني وقتها مشاهدة صور الأمهات وهن يقمن، دون وجل، بإطعام السم لصغارهن، ومنهم رضع، ثم تناولنه بعدهم بلا تردد! ولا تزال صورهن، وهن يحملن أطفالهن، ماثلة في ذهني حتى اليوم. وقد أدركت في حينه كم هي مرعبة فكرة الموت لدى الإنسان العادي المسالم، وكيف ينقلب الإنسان نفسه إلى مجرم أو مجنون بمجرد تشربه بمبادئ عقيدة دينية تستسهل الموت لأتفه الأسباب. وفي الفترة من 1994 وحتى 1997 قام أتباع معبد أخوية أو جماعة الشمس Order of the Solar Temple بسلسلة من محاولات الانتحار الجماعية نتج عنها موت 74 عضوا، ترك بعضهم رسائل وداعية ذكروا فيها أنهم هاربون من كم المراء، والهيبوكرسي والاضطهاد في هذا العالم، وأنهم يشعرون بأن أرواحهم بعد موتهم ستذهب الى نجم في السماء! وبيّنت سجلات الجماعة التي صادرتها شرطة مدينة كويبك في كندا أن بعض أعضائها تبرعوا بمبالغ كبيرة لزعيمهم جوزيف ممبو. وفي 26 مارس 1997 مات 39 عضوا من أتباع جماعة بوابة السماء Heaven›s Gate في عملية انتحار جماعي في مزرعة رانشو سانتافيه في كاليفورنيا، ونقلت محطات التلفزيون وقتها وقائع اقتحام المزرعة من قبل الشرطة. وكان أتباع هذا المعبد يؤمنون بأن أرواحهم ستغادرهم للحاق ب«قوارب اجسادهم البشرية» التي ستنقلهم في رحلة على متن سفينة فضاء يعتقدون بأنها ستلحق بالمذنب «هال بوب»! كما قام بعض هؤلاء بالتخلص من اعضائهم التناسلية، قبل الإقدام على الانتحار، استعدادا لحياة تنتظرهم بلا ذكر ولا أنثى! إن هذه الأمثلة وغيرها الكثير تبيّن أن الموت في سبيل عقيدة أو مبدأ ديني أمر لا يقتصر على شعب أو دين معين، أو حتى على زمن محدد، فالهوس الديني كاف ليس فقط لأن يقدم البعض على قتل نفسه، بل وأيضا السعي لتوقيع أكبر عدد من الضحايا، بصرف النظر عن كونهم أبرياء أو غير ذلك، وكل ذلك نتيجة رؤى أو خيالات معينة. كما تبيّن أن قتل شخص لنفسه في عملية انتحارية في سبيل عقيدة معينة لا تجعله هو أو ما يؤمن به صحيحا! أحمد الصراف القبس الكويتية