كثيرون يدّعون التسامح وتقبل الآخر واحترام الاختلاف في الجنس والدين والتقاليد والجنسية.. كثيرون يؤكدون ليلاً ونهاراً أننا سواسية لا فرق بين مسلم ومسيحي، سني وشيعي، فقير وغني، أو بين عامل ومدير.. لكن هل هذا صحيح، أم أن الأمر يحتاج الى مراجعة صادقة بعيدا عن الشعارات والمزايدات الخالية من المعنى؟ ان معرفة الناس بشكل حقيقي تستدعي ملاحظة سلوكهم العفوي، وتصرفاتهم التلقائية بعيداً عن الأقنعة الاجتماعية أو ما يدافعون عنه مغلفاً بالقيم الزائفة التي لا تعبر عن حقيقتهم. في يوم واحد شاهدت ثلاثة مواقف جعلتني أفكر في ماهية الصراع العنصري الذي يحكم علاقتنا بالآخر: ¶ في اشارة المرور تشاجر رجلان فقال أحدهما للآخر «يا ابن الهندية» كنوع من السب والاهانة. ¶ امرأتان اختلفتا في الرأي واحتد النقاش بينهما، فقالت احداهما للأخرى باستعلاء وملامح يعلوها الاشمئزاز «صج ان أمك مصرية !!». ¶ دار حوار بين مجموعة عن الأزمة الأخيرة للعمالة البنغالية، فقال أحدهم بانفعال "يحمدون الله أنهم عايشين بالكويت، في بلادهم متسولين لا يجدون الأكل والشرب». سحق الآخر لو أمعنا النظر أكثر، وتتبعنا الأمور بدقة، ومُنحنا فرصة كافية لرصد الظاهرة، لاكتشفنا مساحة أعمق من العنصرية تحتل نفوس البشر باختلاف جنسياتهم ودياناتهم، كل طرف يشعر بتفوقه على الطرف الآخر، يتعامل معه بتعال كامن واحساس نرجسي يعلن عن نفسه في مواقف مفاجئة أو غاضبة.. لو نظر كل منا في داخله وراقب نفسه بصدق، سيصل الى دائرة معتمة يقوم فيها بسحق الآخر المختلف عنه، والغائه من حيز التفاعل الايجابي. نحن لم ننشأ على تقبل الآخر وتقبل اختلافنا عنه. مازال راسخاً داخل الكثيرين أن الرجال أكثر ذكاء وتفوقاً وصلاحية في الحياة من النساء، أو أن الهنود، رغم انتمائهم إلى حضارة عريقة وتحقيقهم الآن طفرة تكنولوجية لا يمكن انكارها، فإننا نتصورهم ساذجين بلهاء بطيئي الفهم، ودون وعي أو تفكير نجد أنفسنا نقول لشخص أخطأ الظن بنا في موقف ما: «انت فاكرني هندي»؟. لا يقتصر الأمر على الجنسيات المختلفة، بل نجد داخل البلد الواحد والجنسية الواحدة شعوراً بالتفاخر والتعالي بين فئة وأخرى، فكما نجد بين المصريين، على سبيل المثال، الاحساس المتعصب في نظرة كل من «الصعايدة» و«الفلاحين» بعضهم الى بعض. يتكرر الشيء نفسه في الخليج فنرى علاقة عدائية مكتومة بين الحضر والبدو أو عنصرية قبلية تعود إلى إحساس كل قبيلة بكونها مميزة أو أكثر أصالة وعراقة من الأخرى. رضوى فرغلي معالجة نفسية - (متخصصة في العلاقات الزوجية ومشكلات الطفولة والمراهقة)