هناك من يتساءل عن الدوافع التي حدت بالمجلس الاعلى للقضاء في السعوديه الى الاستعجال في استئجار مجمع تجاري كبيرعلى طريق الملك فهد بالرياض بمبلغ كبير يصل الى 20 مليون ريال سنويا ولمدة خمس سنوات ليكون مقرا له على الرغم من انه بامكانه الانتظار و بناء مقر له بهذا المبلغ خلال السنوات الثلاث اوالاربع القادمه. والملفت في المبنى الجديد الذي يقع على اكثر الطرق ازدحاما والمكون من برجين من عدة ادوار هي سرعة استئجاره بمجرد الانتهاء منه مما يوحي للمراقب ان ثمة اتجاه ربما لدمج بعض الجهات القضائيه والدينيه مع بعضها الامر الذي استلزم استئجار مقر بهذا الحجم الكبير الذي يتسع للمئات من الموظفين لعدم وجود بدائل له في اماكن أخري اقل ازدحاما واكثر هدوءا وأنظف بيئيا. ومن ضمن مسلسل هواة الاستئجار بالاسعار العاليه: انهت وزارة العدل هي الاخرى استئجار مبنى متوسط الحجم في الرياض يقع في حي المروج على الدائري الشمالي ليكون مقرا للمحكمه العليا بالرياض بمبلغ يقارب التسعة ملايين ريال سنويا في حين ان عدد موظفي المحكمه لايتجاوز ستين موظفا. ويبدو ان عدوى الاستئجار وعدم التملك طالت كل القطاعت الحكوميه بفروعها المختلفه رغم توفر الاراضي الحكوميه والمقدره الفائقه للدوله في بناء مئات المقرات من مليارات الفوائض الماليه في السنوات الاخيره من الميزانيات العامه للدوله لتقليص عدد المقرات المستأجر الى ادنى حد. واذا ذكرت الجهات الحكوميه ذات المباني المستأجره منذ زمن بعيد فان وزارة الصحه تأتي في مقدمتها والاكثر معاناة معها لطبيعة تصميمها الذي يعيق تقديم رعايه جيده للمراجع حسب تصريحات متعدده لمسئولي برامج الرعايه الصحيه كون 81% من مباني المراكز الصحيه مستأجرة وغير مناسبة من ناحية استيعابها لخدمات الرعاية الصحية. وهذا يعني ان الخدمه الجيده تتطلب توفير بيئة العمل المناسبه مما يحتم على وزارة الصحه العمل على بناء مقرات تتناسب والخدمه الصحيه المقدمه للمرضى من حيث التجهيزات الفنيه والاداريه للمباني التي تساعد على تقديم خدمه مميزه للمراجعين. كما ان وزارة التربيه والتعليم هي الاخري ضمن قائمة الجهات الحكوميه الاكثر استئجارا للمباني التي اغلبها ان لم تكن كلها صممت لغرض اخر غير المدارس او المقرات الاداريه ومع ذلك قطار الاستئجار مستمرا دون توقف. وتمثل فواتير الاستئجار التي تدفعها الحكومه رقما كبيرا في ميزانيتها يقدر بعشرات المليارات تعد مثل هذه المبالغ المصروفه على الايجارات في حكم المبالغ المستهلكه والمهدره وتعد عبيء على كاهل الدوله الاقتصادي فضلا عن عدم ملاءمة الكثير من المباني المستأجره لتقديم خدمه حكوميه مميزه للمستفيدين. وهذا ما أعنيه في هذا المقال من ان الاستثمارفي اقامة المنشاءات الحكوميه يجب ان يضعه المخطط ضمن اولوياته لوضع حد لعملية استنزاف المال العام من خلال صرفه على مباني مستأجره. ومعلوم انه وفق العرف المحاسبي تعد المباني الحكوميه أصولا ثابته واستثمارا طويل الاجل تتعاظم قيمتها السوقيه مع الوقت وتتناقص الدفتريه مع الوقت الى ان تصل الى الريال خلال 25 عاما بعد خصم 2.5 في المائه سنويا من قيمة الاصل وقد تكون اقل او اكثر من هذه المده حسب المعيار المحاسبي المستخدم وليس كما الايجار الذي يعد استنزافا للمال الحكومي. فالمملكة بلد كبير المساحه وليست مثل سنغافوراجزيره صغيره جدا محاطه بالبحار من كل جانب لكن لنقل ان للضروره احكام وان حرص الحكومه على تأمين الخدمه للمواطنين اسرع من تجهيزات البناء التي تتطلب وقتا طويلا. ان الشروع في انشاء المقرات الحكوميه بدلا من الاعتماد على سد النقص بالايجارات سيرفع قيمة الاصول الحكوميه الثابته الى عشرات المليارات كما ان اجراء من هذا النوع سيعزز الجاذبية الاستثماريه لبعض القطاعات الحكوميه المخطط خصخصتها وبيعها للقطاع الخاص ضمن خطه حكوميه مبرمجه في هذا الاتجاه. كما ان اجراء من هذا النوع سينشط سوق البناء والتشيد والقطاعات المصاحبه له طرديا كما سيفتح الباب امام توفير الكثير من فرص العمل للافراد والشركات والمؤسسات العامله في هذا المجال وكل ذلك متى ماكان مدروسا يصب في النهايه في صالح الجسم الاقتصادي للبلاد. يبقى القول وحتى لاتكون جهات حكوميه على الورق بلا اصول ثابته على هذا النحو القائم يفترض من الجهه المختصه في هذا الشأن تخفيف قيودها على المقاولين وان تفتح الباب للشركات السعوديه والعالميه خاصه الصينيه الارخص والاسرع بين الشركات العالميه للدخول في مناقصات حكوميه لانشاء المقرات وفق مواصفات عالميه اقتصاديه ذكيه بعيدا عن المبالغه في المواصفات الجماليه. ويركز في هذا الصدد على الناحيه الفنيه وما يتتفق والخدمه التي يقدمها هذا المرفق الحكومي. وتبقى اشاره اخيره ان الهنسه القيميه يجب ان تكون حاضره في مثل هذه المشاريع فهي تقنية حديثة وعلم منهجي معروف أثبتت مكانتها لأنها تساعد على تقليل التكلفة والاستثمار الامثل للموارد وتحسين الجودة في آن واحد .