كلنا نعشق المطر، نحبه جداً، ربما لأن في جيناتنا أنه «الحيا» الحقيقي لنا، الأمان الذي يحققه الزرع والضرع بعيداً عن رق القرن العشرين المسمى بالوظيفة، وقريباً من الطمأنينة في عيون الآباء والأجداد التي كنا نلحظها كلما «وسمت». حسناً، الأمطار نعمة كبيرة، لكن عشقها وعاطفتنا نحوها تصبحان أحياناً نقمة، فأولاً لدينا حالة غريبة هي أن الناس تباشر الخروج من المنازل مع نزول المطر عكس كل نواميس مجتمعات العالم، الرجال والشباب تحديداً، وربما هذا إثبات آخر أن النساء «أعقل» من فرسان الأودية والشعاب، والأنفاق. الأمطار في المدن الكبرى تحديداً، لم تعد «سمفونية» الجمال التي تتذكرها في صباك، يوم أن كانت المدينة صغيرة، أو يوم كنت في قريتك تتمتع بها من مكان مرتفع، بل إنها أصبحت مشكلة حقيقية للطوارئ والمرور والدفاع المدني والكهرباء وغيرها. عواصف رملية، وعواصف رملية هوائية مائية، وأمطار مع زخات من البرد، ولا أحد تقريباً يرغب في تغيير برنامجه، لا أحد يلغي برنامجه، ويجلس في بيته أو مكتبه، لحين هدوء العاصفة، والمضحك المبكي أن لا أحد تقريباً لديه ثقافة التعامل مع الطوارئ في الشوارع، ربما لأنه امتداد لثقافة أن الأحوال الجوية لا تغيّر من برامج الرجال «الصناديد». بغض النظر عن مشكلات التصريف، والغش في المشاريع، وسوء تنفيذ بعض الأنفاق والطرق، بغض النظر عن السوء الذي يغطيه غبار الصمت فتغسله الأمطار فيظهر مع عاصفة رعدية، يجب عليك أن تساعد الناس من موقعك، فقط بعدم الخروج إلا لضرورة قصوى، وإرجاء الفرجة والتصوير واستعراض قدرات سيارتك ذات الدفع الرباعي، أو سيارتك المجهزة بما لا يستطيع عامة الناس توفيره، والاستغناء عن استعراضك في وسط بحيرات الماء الذي ربما أصبح رياضة خطرة. وبمناسبة الرياضة، حظي ملعب الكرة بنظام تصريف جبار لم تُحْظَ به بعض الطرقات والميادين، ولم تتعطل أو تُلغى المباراة ليل الاثنين الماضي، بينما أغلقت الأنفاق، وبعض الطرق، وعطلت الدراسة، فلماذا لا نستفيد من تجربة التصريف في الملعب، لعلنا نخرج بفائدة تنموية واحدة من حمى كرة القدم. وعوداً على العواصف، يجب على الناس أن يثقفوا أنفسهم وأبناءهم بفكرة أن التمتع بالمطر يكون في اليوم التالي عندما تشرق الشمس، أو يكون عبر النافذة، أو الجلوس على «عتبة» الدار، وأن السير بالسيارات في كل الاتجاهات، يعرّضهم للخطر، ويزاحم رجال الطوارئ، والمضطرين في الشوارع، فيزداد الطين بلة. المطر يغسل الأرواح كما يغسل المدن، ويجعل الأرض تضوع برائحتها، فلنجعله دوماً يكشف عن معدننا، مسؤولين، مخططين، مقاولين، ومواطنين.